تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذه كلها مباحث أصولية وعليها مسحة دلالية، لاشك في هذا، ولكنها مباحث تتعلق بالألفاظ خالصة من حيث إفادتها أحكاماً شرعية معينة، بل هي ضوابط أساسية فيما يستفيده المجتهد لدى عملية الاستنباط، وبناء الحكم على أصل من دلالة اللفظ المتبادرة اليه فيما يحتمله لسان الشارع المقدس. ولسنا بأزاء بيان هذا الأصل أو الخوض فيه، فضلاً إلى أن السبق المنطقي والعرض الأصولي، وأن تعلقاً بالبحث هامشياً، إلا أنهما من المباحث المستفيضة التي كتبت ودوّنت وطوّرت ونضجت واستقرت بمنهج ثابت في المنطق وأصول الفقه لا سيما عند الأستاذ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري (ت: 1281هـ) والتعرض لهما حديث عنهما لاعن النقد البلاغي. كما هي الحال في محاضرات زعيم الحوزة العلمية الإمام الأكبر السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) وإفاضاته الأصولية المتطورة.

إذن: هذا العرض بعيد عن المفاهيم المقحمة بالنقد والبلاغة نتيجة تأثير البيئة الكلامية، وسيطرة المنطق، وسيرورة علم الأصول، وإنما هو كشف دلالي لصميم المخزون التراثي من النقد البلاغي في ضوء المتغيرات الأوروبية المتواجدة. ومن خلال التطبيق القرآن العظيم.

(12)

وقد أفدت من صلتي العلمية بالأستاذ الحجة السيد محمد كلانتر رئيس جامعة النجف الأشرف متابعته في إنجاز هذا البحث على وجه السرعة لأنه يتسم بالأصالة فيما أفاض، فكان له ما أراد. فإن كان الأمر كذلك فبفضل من الله تعالى وحده، وإن كانت الأخرى فما لايدرك كله، لايترك كله.

وفقنا الله جميعاً لاستقراء الحقائق من ينابيعها الأولى.

وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم عليه توكلت وإليه أنيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

النجف الأشرف

الدكتور محمد حسين علي الصغير

أستاذ في جامعة الكوفة

(13)

الفصل الأول

نظرية البحث الدلالي عند المحدثين

(14)

(15)

نظرية البحث الدلالي عند المحدثين:

يرى علماء الدلالة المحدثون إن اللغوي الفرنسي ميشال بريال ( M.Breal ) يعتبر مؤسس علم الدلالة المتعارف عليه اليوم، وهو الذي وجه الاهتمام لدراسة المعاني بذاتها، وقد اقترنت أهمية ريال هذه بمحاولة الناقدين اللغويين الإنكليزيين: أوجدن ( C.K.OGden ) وريتشاردز ( I.A.Richards ) الذين حوّلا مسار الدلالة بكتابهما المشترك: معنى المعنى ( The meaning of meaning ) الصادر عام 1923 (1). وذلك بتساؤلهما الحثيث عن ماهية المعنى من حيث هو عمل متزاوج من اتحاد وجهي الدلالة: أي الدال والمدلول، فوجّها العناية بالعلاقة التي تربط مكونات الدلالة التي يجب أن تبدأ من الفكرة أو المحتوى الفعلي الذي تستدعيه الكلمة والذي يومي إلى الشيء (2).

فالدلالة لدى هؤلاء مجتمعين ـ كما يبدو ـ عبارة عن اتحاد شامل بإطار متكامل بين الدال والمدلول غير قابل للتجزئة والفصل.

وفي ضوء هذا الفهم الأولي للدلالة أخذت البحوث تشق طريقها إلى استكناه مفهوم الدلالة ومصطلحها لدى المحدثين من العرب والأوروبيين حين لمسوا أن التعميم الفضفاض غير كافٍ لإعطاء صيغة علمية او فنية متميزة تنهض بالاصطلاح مستوياً على قدميه. ومن هنا حاولوا جعل الدال والمدلول قسيمين أساسيين لمفهوم الدلالة.


(1) طبع هذا الكتاب طبعة منقحة في لندن، 1956 م.
(2) ظ. د. موريس أبو ناصر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، الفكر العربي المعاصر، آذار، 1982+ كمال محمد بشر، دراسات في علم اللغة: 2/ 159.
(16)

يستوقفنا الدكتور بسام بركة، في تقسيمه وتعقيبه حين يقول: «أما الدال فهو الصورة الصوتية التي تنطبع مباشرة في ذهن السامع، وهو بعبارة أخرى: الإدراك النفسي للكلمة الصوتية، وأما المدلول فهو الفكرة التي تقترن بالدال» (1).
ويهمنا من هذا المنحنى التأكيد على صلة اللغة بالفكر فيما يوحيه من علاقة مباشرة قد تكون ضرورية بين عناصر الأشارات المتولدة في الذهن نتيجة لاقتران الدال والمدلول خلف الدلالة، في حين يقول بعض الدارسين العرب: «لا تقتصر دلالة الكلمة على مدلولها فقط، وإنما تحتوي على كل المعاني التي قد نتخذها ضمن السياق اللغوي. وذلك لأن الكلمات، في الواقع، لا تتضمن دلالة مطلقة بل تتحقق دلالتها في السياق الذي ترد فيه، وترتبط دلالة الجملة بدلالة مفرداتها» (2).
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير