تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو قصي]ــــــــ[31 - 08 - 2007, 02:20 م]ـ

أرى أنك قد أبعدت النجعة أخي الحبيب، فدعوى الاستعارة التمثيلية هنا فيه بعد؛ لعدم ظهور الوجه المركب في قول الخليل، ودعوى عدم ظهور الغرض في المجاز المرسل، غير صحيح، بل الغرض ظاهر وهو بيان عظم مكانة شعر رؤبة، وفصاحته وبلاغته، و (أل) في قوله: " اللغة ... " معاقبة للإضافة، وقد أطلق العام وأراد الخاص وهو لغة رؤبة وشعره وفصاحته، وتنظيرك بالمثل المشهور في غير موضعه، إذ التركيب في وجه الشبه بين المثل وما يقال فيه ظاهر، والمثل وما قيل فيه قصتان مختلفتان، بينهما وجه شبه مركب، ولذا عد استعارة تمثيلية كغيره من أمثال العرب، وأما ما نحن بصدد الحديث عنه، فالوجه المركب المقتضي للاستعارة التمثيلية غير ظاهر فيه؛ إذ قول الخليل مرتجل، أراد به إنشاء الحزن على فقد لغة رؤبة وشعره وفصاحته، فيكون القول من قبيل المجاز المرسل المركب، المبني على المجاز المرسل المفرد، المشار إليه. ويقوي هذا أن يعقوب قال: لقيت الخليل بن أحمد يوما بالبصرة، فقال لي: يا أبا عبد الله، دفنا الشعر واللغة والفصاحة اليوم. فقلت له: وكيف ذاك؟ فقال: هذا حين انصرفنا من دفن رؤبة بن العجاج. أي فخسرنا بدفنه لغته وشعره وفصاحته؛ إذ لو عاش لأثرى الساحة الأدبية بتلك المواهب والميزات، فأطلق العام وأراد الخاص، مبالغة في القيمة الأدبية للغة رؤبة وشعره وفصاحته.

ومع هذا فقولي صواب يحتمل الخطأ، ولا أدعي الحجية فيه، والله أعلم.

= ذكرتَ أخي – حفِظك الله – أنَّ (أل) في (اللغة) معاقبةٌ للإضافةِ، وأن هذا من بابِ إطلاق العام وإرادةِ الخاصِّ؛ فهو إذًا مجازٌ مرسَلٌ مفرَدٌ. والردُّ على هذا من ثلاثةِ أجهٍ؛

الأول: أن الكوفيينَ يقولونَ بنيابةِ (أل) منابَ الضميرِ، وأنا أخالِفهم في ذلك، وأرى أن كلَّ ما احتجوا به على ذلك يجوزُ حملُ (أل) فيه على العهديةِ. فعلى هذا لا يكونُ في (أل) هذه مجازٌ، لأن دلالتَها على ذلك بالوضعِ الأوليِّ؛ بل إني أرى أن (أل) العهديةَ أحقُّ بالحقيقةِ من الجنسيةِ، من جهةِ تعرُّفِ مدلولِها في الخارجِ والذهنِ، وتعُّرفِ مدلولِ (أل) الجنسيةِ في الذهنِ فقط.

الثاني: أنا لو سلمنا لك بذلكَ، فأيُّ لطيفةٍ بلاغيةٍ في قولِه: (دفنَّا اللغةَ) يريد (دفنَّا لغةَ رؤبة). ألا ترى أن هذا معنًى ساذَج (أي: سطحي ظاهر)، وأنَّ تلمُسَ غيرِ ذلك أولى؟!

الثالث: كيفَ يسوغُ الجمعُ بين كونهِ مجازًا مرسلاً، وكونِه محمولاً على المبالغةِ، لأنك لا تحمله على المبالغةِ حتى تدعيَ فيه الحقيقةَ، ومتى ادعيتَ فيه الحقيقةَ انتفى كونُه مجازًا مرسَلاً.

- وليسَ بمتجانِفٍ عن الحقِّ عندي أن يَّكونَ قولُه محمولاً على الحقيقةِ، و (أل) فيه جنسيةٌ، على جهةِ المبالغةِ؛ إذ جعلَ المفقودَ اللغةَ كلَّها.

= وذكرتَ أن جعلَها (استعارةً تمثيليةً) فيه بعدٌ، ولم تبيِّن فيه وجهَ البعدِ. أما التركيبُ فموجودٌ فيه؛ إذ وجه الشبه منتزعٌ من (الدفن) و (اللغة) و (رؤبة)؛ وهو (عِظَم الخسارةِ وفَداحتها)؛ فهو لم يرد تشبيه (دفنٍ) بـ (دفنٍ)، ولا (رؤبةَ) بـ (اللغة)، ولكنه شبه مجموع ذلك بمجموع ذلك؛ وهو (دفنُ رؤبة) بـ (دفنِ اللغة). وأصلُ (دفنِ اللغة) جملةٌ هي (دفنَّا اللغةَ). ولا يَلزم أن يكون المشبه به مثلاً معروفًا؛ بل من الجائزِ أن يَّكونَ مثلاً مُنشئًا متخيَّلاً. ولذلك أمثلةٌ كثيرةٌ معلومةٌ.

وتقبَّل مودتي.

الحجة

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير