تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

7. قال تعالى: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) , لما كانت (الواو) لمطلق الجمع لا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً جاء عطف السقيا على الإطعام بالواو لأن لا فائدة من تقديم أحدهما على الآخر فلولا مراعاة حسن النظم لكان يستوي أن تقدم الإطعام أو السقيا فيقال: (والذي هو يسقين ويطعمني) , لكن حسن النظم يقتضى (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) لتناسب الآيات لذا لم تستخدم الآية العطف بحرف (الفاء) التي تفيد الترتيب مع التعقيب ولم تستخدم أيضاً (ثم) التي تفيد الترتيب مع التراخي ولما كان الشفاء يعقب المرض بلا زمن خال من أحدهما استخدم حرف العطف (الفاء) التي تفيد وقوع الشفاء بعد المرض مباشرة ولأن المقام مقام مدح وثناء لله رب العالمين أثنى إبراهيم على ربه لسرعة إشفائه بعد مرضه .. ولما كانت (ثم) تفيد الترتيب مع التراخي استخدمها في عطف الحياة على الموت لأن البعث يكون بعد الموت بزمن كبير فناسب أن يعطف الحياة على الموت بحرف (ثم).

8. قال تعالى: (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ* ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ* ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ* ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ) , لما كان تقدير الإنسان تابعاً للخلق وملازماً له عطف عليها بالفاء (من نطفة خلقه فقدره) , ولما كان بين خلقه في بطن أمه وبين إخراجه منه زمناً عطف بـ (ثم) التي تفيد التراخي, وكذلك قوله (ثم أماته) لأن بين خروجه من بطن أمه وموته مدة وزمناً, ولما كان بين الإقبار بعد الموت والنشور زمناً ومدة عطف بـ (ثم) , (ثم إذا شاء أنشره) أنظر إلى دقة استخدام الحروف فحقاً إن هذا القرآن معجز في بلاغته.

9. قال تعالى: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً* فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً) , لما عطف الله تعالى بالانتباذ على الحمل دل على أنه كان مباشرة بعدما حملت توجهت مباشرة إلى مكان المخاض وهو الطلق ولما عطف المخاض على الانتباذ بالفاء دل على أن الطلق جاءها مباشرة بعد الانتباذ فدل ذلك على أن الحمل والوضع كانا في زمن يسير ولو كان لغيرها من النساء لعطف بـ (ثم) الدالة على التراخي والمهلة .. فلعل المطاوعة لا يعطف إلا بالفاء كقولك: أعطيته فأخذ, ودعوته فأجاب .. ولا تقول: أعطيته وأخذ ولا دعوته وأجاب, كما لا يقال: كسرته وانكسر .. وعلى ذلك فإن قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) , ليس من باب أفعال المطاوعة إذ قوله (أغْفَلْنَا قَلْبَهُ) , هاهنا بمعنى صادفناه غافلاً وليس بمعنى صددناه لأنه لو كان كذلك لكان معطوفاً عليه بالفاء, وقيل: (فاتبع هواه) , وذلك لأنه يكون حينئذٍ فعل مطاوعة وفعل المطاوعة لا يعطف إلا بالفاء .. لما كانت (في) تدل على الظرفية وعدم الرفعة والعلو كان الأجدر أن يقول المرء: فلان في ضلال مبين وليس على ضلال مبين .. وقد قال إخوة يوسف لأبيهم: (قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ) , أي منغمس فيه قد أحاط بك من كل ناحية, وكذا يقال في ما يشابهه كقولك: فلان في ظلام دامس .. أو لقد سقط في وهرة عميقة, هو في لجة من الخزي والعار .. أما إن كان الأمر فيه رفعة وعلو فيقال: (على) كقول الله تعالى في حق المؤمنين: (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) , كذلك نقول: (هو على تقوى من الله) , (هو على نور من ربه) , (هو على الحق المبين) ولا تقل هو في الحق أو في النور أو في التقوى لأن (في) لا تشي بالعلو والرفعة بخلاف (على) التي للاستعلاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير