تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى تلك الشرذمة يصدق الإنكار في قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)، فما فعلوا ما فعلوا إلا بعد أن ألحدوا، بلسان الحال، في أسماء الرب، عز وجل، وصفاته، فأين هم من اسمي: السميع والبصير: سمع وبصر إحاطة لكل الموجودات، فهي من أخص صفاته الذاتية المعنوية التي لا تنفك عن ذاته القدسية فلا تتعلق بمشيئته إلا على جهة ارتباطها بآحاد الحادثات من طاعة زيد ومعصية عمرو، وتلك صفات تدركها العقول قبل ورود النقول، وإن كان المعتمد في هذا الباب: خبر الشارع، عز وجل، وخبر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكنها لكونها كمالا مطلقا يدرك بالعقل بداهة صارت محل اتفاق بين جمهور الأمة على تفصيل ليس هذا موضعه.

وأين هم من صفة سمع الإحاطة والتهديد: سمع: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)، وأين هم من صفة علمه المحيط ورؤيته المحيطة بكل ذرات كونه، أين هم من تلك المعاني التي أنكروها بلسان الحال وتجرأ بعضهم بمعارضتها بصفات جماله، عز وجل، فإذا أنكر على أحدهم وخوف بصفات جلال الجبار، جل وعلا، استخف قائلا: ربنا غفور رحيم!، وعمرة أو حجة تزيل ما سلف ثم نستأنف الإلحاد في أسماء الله، عز وجل، وصفاته، من جديد!.

وهل راقب الله، عز وجل، من استحل بلسان حاله، ولو استحل بلسان المقال أو اعتقاد القلب لكفر، بل مجرد فعله قد يكون كفرا إذا كان صادرا على عقد قلب مستخف منكر لصفات جلال الله، عز وجل، على تفصيل ليس هذا موضعه، فتلك مسائل شائكة لا يفصل فيها أمثالنا وإنما يكفيهم مجرد العلم للاحتياط من الوقوع في ناقض من نواقض الملة، هل راقب الله، عز وجل، من استحل شراء خنازير هي في الأصل نجسة ضارة بالصحة، فتحريمها من باب: لا ضرر قاصر على التفس ولا ضرار متعد إلى الغير،، قد أعدمت قطعان كبيرة منها بطريقة بشعة إذ دفنت حية في أطنان من مخلفات مادة: "الشبة" الكاوية التي تستخدم في تنقية المياه من الشوائب بحيث يظل الحيوان يصرخ نحو 30 إلى 40 دقيقة من وطأة التعذيب بتلك المادة الكاوية قبل أن يلفظ أنفاسه بعد ذلك العذاب المؤلم الذي جعل لحمه فضلا عن نجاسته وقذره: مشبعا بمادة سامة كاوية، وهو ما حمل مجمع البحوث الإسلامية على الإنكار على تلك الطريقة، وإن كان المقتول خنزيرا نجسا، فإيلام الحيوان منهي عنه شرعا، وتطور الأمر إلى شد وجذب بين المجمع ومحافظ القليوبية الذي لم يحتمل ذلك النقد فراح يسخر من الشريعة الإسلامية، ومن الحدود تحديدا، في واقعة جرت منذ أيام، وقد تعللت الحكومة بأنها لا تملك إمكانيات ذبح كافية لتلك القطعان، فلا مناص من قتلها درءا للمفسدة العظمة ببقائها حية بمفسدة إيلامها قبل إعدامها، والمسألة محل نظر، إن كانت الحكومة صادقة فعلا فلا تملك وسائل لذبحها، فاضطرت إلى إعدامها حرقا بتلك المادة الكاوية، والله أعلم ببواطن الأمور، وذلك، أيضا، مما يفصل فيه العلماء الربانيون لا آحاد المكلفين من أمثالنا، فتكفينا، كما تقدم، المعرفة المجملة، إلا من فتح الله، عز وجل، عليه بالتخصص في أشرف العلوم: علوم الإلهيات، ومع ذلك لا بد من رسوخ قدمه فيها لئلا يَضِل أو يُضِل.

الشاهد أن من استحل تصنيع مأكول تتناوله الأسر المصرية بكثرة فهو بديل رخيص لـ: "اللحم الأصلي"! تتعلق به نفوس الأطفال بالذات، فلا يملك الأب المسكين المغلوب على أمره إلا أن يشتريه ليسد نهمة طفل لا يصبر على الشهوات صبر الكبار، وقد نفد صبر كثير من الكبار، فكيف بالصغار؟!.

الشاهد أن من استحل تلك الفعلة فهو في حكم الملحد في أسماء الله، عز وجل، وصفاته، إذ عطلها عن معاني كمالها المطلق، ولو استشعر مقام المراقبة الكونية لكل ذرات الكون ما طاوعته نفسه أن يرتكب تلك الجريمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير