تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أسهمت في سقوط الحضارة العربية الإسلامية، فالعلاقة بين الانهيار الداخلي والأخطار الخارجية علاقة جدلية. 4 - أن تدهور الحضارة العربية الإسلامية، لا يعني بالضرورة الموت المطلق لكل أشكال النشاط الفكري على امتداد العالم العربي والإسلامي خلال قرون الانحطاط التي أشرنا إليها، بل ظلت بعض الجهود العلمية هنا وهناك، وإن انصبّت في ميدان الشرح والتلخيص .. إلخ. 5 - أن الانحطاط لم يحدث في كل أرجاء العالم العربي والإسلامي في زمن واحد، فطلائع الانحطاط ظهرت في المشرق العربي والإسلامي منذ القرن السادس للهجرة (الثاني عشر للميلاد) في حين لم تظهر في المغرب والأندلس، إلا في القرن السابع للهجرة (الثالث عشر للميلاد).

أهم أسباب الانحطاط

هناك جملة من الأسباب التي أدت إلى تدهور الحضارة العربية الإسلامية وانحطاطها، بعضها داخلية وبعضها الآخر خارجية.

أسباب سياسية

1 - ما أصاب العالم العربي الإسلامي من تمزّق في وحدته السياسية، إذ حلّت الكثرة محل الوحدة، وقامت على أنقاض الدولة الواحدة ممالك ودول عدة، في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، فإذا كانت سلطة الخليفة في العصر الأموي قد امتدت من الأندلس غرباً إلى سمرقند شرقاً، فإن هذه السلطة لم تعد تتجاوز في القرن الأخير من التاريخ العباسي (السابع للهجرة) الثالث عشر للميلاد (مدينة بغداد وضواحيها. ولقد تعزز هذا الانقسام السياسي بتمزق الوحدة الدينية، إذ أخذ يتنافس على زعامة المسلمين، منذ القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد) ثلاثة خلفاء: عباسي في بغداد وأموي في قرطبة، وفاطمي في القاهرة. ولاشك في أن هذه الانقسامات جميعاً، أدت إلى اندلاع الحروب بين القوى الإسلامية، ودفع المسلمون عامة الثمن غالياً من أرواحهم واقتصادهم ومدنيتهم. ويكفي أن نقرأ ما دار في المشرق العربي والإسلامي من حروب بين السلاجقة والفاطميين والعباسيين. لندرك كيف استُنفدت طاقات الأمة، المادية والأدبية، وكيف قطف الصليبيون ثمار هذه الحروب في أواخر القرن الخامس للهجرة (الحادي عشر للميلاد). كما علينا أن نتذكر قصة الحروب التي دارت في الأندلس بين ملوك الطوائف وأثرها على مصير العرب المسلمين وحضارتهم. 2 - إن الإرهاب السياسي الذي عمّ العالم العربي والإسلامي، كان له أبلغ الأضرار على كل ألوان النشاط الحضاري في المجتمع الإسلامي. فقد أصبحت مبادئ الإسلام في الشورى والمساواة والعدالة والتسامح في واد، والممارسات السياسية في واد آخر. فقد تحكم الأتراك المرتزقة بمصير الخلفاء العباسيين منذ أواسط القرن التاسع الميلادي، فكم من خليفة قتل أو خُلع وسُملت عيناه أو ألقي في نهر دجلة. ثم حلّ طغيان البويهيين منذ أواسط القرن الحادي عشر الميلادي. واستمر هذا الإرهاب السياسي في عصر المماليك (1250 - 1517م) الذي كان فيه الحكم لمن غلب. ولنتذكر، مثلا، كيف كان مصير السلطان عز الدين أيبك وشجر الدر والسلطان قطز .. إلخ. وخلال هذه العصور من الإرهاب السياسي والصراع على الحكم لم تتردد القوى الإسلامية في استخدام أكثر الأساليب وحشية لتثبيت سلطانها وتصفية المنافسين لها. أما جماهير الأمة، فقد كانت تحتضن همومها وآلامها، ولا علاقة لها بصنع القرار، بل سُحق شعورها بالانتماء إلى الأرض والحضارة، وأخذت تبحث عن قوتها اليومي قبل القرطاس والقلم.

أسباب اقتصادية

لا يستطيع أي باحث، مهما كان انتماؤه الأيديولوجي أن يتجاهل أثر الاقتصاد في ازدهار الحضارة وسقوطها. فالزراعة في المشرق العربي والإسلامي خضعت منذ القرن الخامس للهجرة (الحادي عشر للميلاد)، إلى نمط جديد في الإنتاج، وهو ما عُرف بالنظام الإقطاعي - العسكري، ويقضي هذا النظام، بأن يقطع السلطان كل قائد في جيشه إقطاعاً من الأرض بدلاً من المرتبات التي كان يتقاضاها من الدولة، وفي المقابل يتعهد هذا القائد، أي المُقطع، بأن يخضع للسلطان مباشرة، ويؤدي ما عليه من التزامات مادية واجتماعية وعسكرية، وهذا النظام أطلق أيدي القادة والأجناد في الأرض والفلاحين الذين يعملون فيها، دون أن يكون هناك رقيب أو قانون يحاسبهم، اللهم إلا السلطان نفسه. وقد اكتمل تطبيق هذه النظم في مصر والشام في العصر المملوكي. وبغض النظر عن التفاصيل المتعلقة بهذا النطام، فإنه ألحق الكوارث بالأرض والفلاح. وقد تجلى ذلك في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير