تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الضرائب الشرعية وغير الشرعية، النقدية والعينية، التي انتزعت من الفلاحين، هذا فضلاً عن الطرق الوحشية التي كانت تجبى بها. وبالرغم من شكاوى الفلاحين، فإنها لم تصل في معظمها إلى مع السلاطين. وقد دفعت هذه الاضطهادات الفلاحين إلى الفرار من الأرض إلى المدن، مما ترتب عليه خراب الأرض الزراعية من ناحية، وخلق المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في المدن من ناحية أخرى. وبالإضافة إلى هذا، علينا أن نتذكر ما أصاب عناصر الإنتاج الزراعي من تعاقب الأوبئة والطواعين والفياضانات والجفاف. كما تدهورت التجارة في العالم العربي والإسلامي تدهوراً كبيراً لا بسبب الضرائب والمكوس الشرعية وغير الشرعية وعمليات الابتزاز والمصادرة التي كان يعاني منها التجار فحسب، وإنما أيضاً نتيجة تجزئة العالم العربي والإسلامي والحروب الأهلية، وما ترتب عليها من انعدام الأمن والسلام على امتداد الطرق التجارية وانتشار القرصنة في البر والبحر، وإهمال الطرق والمسالك والمحطات البريدية ووضع العراقيل أمام انتقال التجار بين الدول الإسلامية المتنازعة. كما أن احتلال الصليبيين للساحل الشامي، ولمدة قرنين تقريباً (1098 - 1291م) أدى إلى حرمان التجار العرب والمسلمين من البحر المتوسط وأسواقه وموانئه، ومن دورهم كوسطاء بين الشرق والغرب، حيث انتزع هذا الدور الأوربيون عامة والإيطاليون خاصة. كما أصيبت الحركة التجارية بأضرار بالغة من جراء الصراع بين العرب والصليبيين والغارات الصليبية على القوافل التي كانت تنقل السلع والمتاجر بين الشام ومصر والجزيرة العربية، كما ألحقت الغزوات المغولية المتلاحقة بدءا من أيام جنكيز خان (ت 1227م) وهولاكو (1265م) وحتى تيمور لنك (ت 1406) كوارث حقيقية بالتجارة العربية والإسلامية، حيث نهب المغول ودمّروا عشرات من المدن التي كانت تشكّل مراكز تجارية كبرى مثل سمرقند وبخارى وبغداد .. إلخ. وأخيراً تلقت التجارة العربية والإسلامية ضربة مميتة على يد البرتغاليين، ذلك أن اكتشاف رأس الرجاء الصالح عام 1498 على يد فاسكو دو جاما، فتح طريق جديداً بين أوربا والهند، وبالتالي خسر العرب والمسلمون دورهم في التجارة الدولية، كما فقد البحر الأحمر أهميته كطريق رئيس بين الشرق الأقصى وأوربا، وخسرت دولة المماليك في مصر والشام مورداً ضخماً من مواردها الاقتصادية.

ولم تكن الصناعة بمنأى عمّا تعرضت له الزراعة والتجارة من مصاعب. بل إن تدهور الصناعة ارتبط ارتباطاً وثيقاً بتدهورهما، فقد عانى الصنّاع والحرفيون من عمليات الابتزاز والمصادرة، التي كانت تمارسها الدول الإسلامية، ومادامت معظم الصناعات كان تتركز في المدن، فقد عانت مما كان يجري في المدن من دمار وخراب وقتل وسلب وحرائق، كام تلقت الصناعة ضربات مؤلمة على يد المغول، حيث نقل جنكيز خان مئات الصنّاع والحرفيين من المدن الإسلامية، التي استولى عليها مثل نيسابور وغيرها إلى منغوليا.

ثالثاً: تدهور العلوم ومؤسساتها

يعد تدهور الحياة العلمية سبباً من أسباب انحطاط الحضارة العربية، ومظهراً من مظاهره. فقد غابت الأفكار المبدعة واختفت العقلية العلمية لتحل محلها الخرافات والغيبيات، فالأدب انشغل - منذ العصر الأيوبي وحتى العثماني - في تطريز العبارات وزخرفة الكلمات دون الاهتمام بالمحتوى الفكري. كما استمر المؤرخون - باستثناء بعضهم أمثال ابن خلدون (ت 1406م) والمقريزي (ت1441م) - في الاهتمام بسير الخلفاء والسلاطين والملوك والأعيان، ولاشك في أن هذا الانحطاط الفكري يعود إلى أسباب عدة منها: 1 - غياب رعاة العلم من خلفاء ووزراء، فالضعف أصاب مؤسسة الخلافة نفسها، فقد انتهى عصر العباسيين الأوائل الذي كان يعد فيه الخلفاء من العلماء، ويعقدون مجالس العلم والأدب في بلاطهم وينفقون على المؤسسات العلمية ورجالها، ويدفعون الذهب ثمناً لشراء المخطوطات وترجمتها. أما خلفاء العصور العباسية المتأخرة فلم يعد العلم هماً يشغلهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير