تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2 - إن الدول الإسلامية، ربطت العلم ومؤسساته ربطاً محكماً بمصالحها، منذ بدايات العصر السلجوقي، حقيقة أسس الوزير السلجوقي نظام الملك (ت 1092م) المدارس وبنى الأيوبيون والمماليك الكثير منها في مصر والشام، ولكن ذلك لم يؤد إلى نهضة علمية شاملة، لأن هذه الدول هيمنت على التعليم ومؤسساته ووجهتها نحو ميادين تخدم مصالحها السياسية والمذهبية والإدارية. والدليل على ذلك: أ - ارتباط التعليم في تلك المدارس بالأوقاف التي خصصت لها، أي أن النفقة عليها كانت مرهونة بتنفيذ شروط الواقف، فأي خلل بهذه الشروط تتوقف النفقة وتغلق المدرسة. أي أن استمرار هذه المدرسة أو تلك مرهون برضاء صاحب الوقف - سواء أكان سلطاناً أو أميراً - على مناهجها وأساتذتها وطلابها. ب - إن الذين كانوا يتخرجون في هذه المدارس لم يشكلوا طبقة من العلماء، وإنما طبقة من الموظفين، يعملون في دواوين الدولة ومرافقها العامة. ج - إن معظم العلوم التي كانت تدرّس آنذاك هي العلوم الدينية، لأن الهدف من تدريسها كان دينياً ومذهبياً، وقد برز هذا واضحاً في الدولة الأيوبية، التي قامت على أنقاض الدولة الفاطمية، ومن ناحية أخرى، فقد أهملت العلوم الطبيعية والفلسفية، حيث عزفت المدارس - مثلاً - عن تدريس الفكر الإغريقي الذي كان مصدراً من مصادر الحضارة العربية الإسلامية في عصرها الذهبي.

3 - وكان الإرهاب الفكري الذي مارسته الدول الإسلامية منذ العصر العباسي الثاني عاملاً أساسياً في تدهور الحياة الفكرية للحضارة العربية، وقد بدأت تباشر هذا الإرهاب في القضاء على المعتزلة، الذين كانوا يحملون راية العقل. ووصل الإرهاب الفكري إلى ذروته في العصرين البويهي والسلجوقي. وتروي المصادر أنه عندما دخل عضد الدولة البويهي (ت 983م) بغداد أمر رئيس ديوان الرسائل (الإنشا) آنذاك، وهو إبراهيم بن هلال الصابني، بأن يؤلف كتاباً في تاريخ دولة بني بويه، قديمه وحديثه. فامتثل إبراهيم للأمر وأخذ يشتغل في تصنيفه، ولكن أبلغ عضد الدولة أن صديقاً لإبراهيم دخل عليه فرآه في شغل شاغل من التسويد والتبييض، فسأله عمّا يفعل، فقال «أباطيل أنمّقها أكاذيب ألفّقها». فأمر عضد الدولة بأن يلقى إبراهيم تحت أرجل الفيلة. ولولا شفاعة كبار كتّاب الديوان لقضى إبراهيم نحبه، حيث وافق عضد الدولة أخيرا على إبقائه على قيد الحياة، وأن تصادر أملاكه ويُزج به في السجن. وظل هذا المؤرخ العظيم في السجن إلى أن أطلق سراحه في أواخر أيام عضد الدولة.

رابعاً - أسباب أخلاقية

يرى فريق من الباحثين أن انصراف الطبقات الحاكمة والفئات المتحالفة معها، ولاسيما منذ العصر البويهي عن قيم الإسلام وأخلاقه ومثله، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يُعد عاملاً مهماً من عوامل انحطاط الحضارة العربية الإسلامية، فالفصل بين الدين والحياة، وبين القيم والأخلاق الإسلامية والممارسات السياسية، أدى إلى الانغماس في الكثير من المفاسد والانحرافات الأخلاقية والأمراض الاجتماعية التي هدّت المجتمع من الداخل، واستنفدت قوى أبنائه العقلية والجسدية معاً. هذا فضلاً عن هيمنة ثقافة الخوف وقيم الخنوع والاستسلام للواقع، وانتشار الرياء والنفاق والتزلف الذي كانت تشجعه الطبقات الحاكمة.

الأسباب الخارجية

مع تسليمنا بما ذهب إليه الكثير من الباحثين، من أن العوامل الخارجية لا تُسقط الحضارة - إن لم تكن هذه الحضارة نفسها قاب قوسين أو أدنى من السقوط - فإننا لا نستطيع أن نغفل أثر بعض هذه العوامل في تدهور الحضارة العربية الإسلامية، وأهمها:

1 - سقوط صقلية بأيدي النورمان. من المعروف أن النورمان استغلوا الانقسامات التي دبت بين الأمراء العرب في صقلية ونجحوا في انتزاعها منهم عام (1091م)، وقد خسر العرب بذلك مركزاً مزدهرا ومتقدماً لحضارتهم في جنوب أوربا، وموقعا استراتيجيا مهماً في البحر المتوسط.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير