تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويظهر التلاؤم بين الحكم التكليفي الشرعي والحكم الخلقي الكوني في هذا الموضع، أيضا، إذ زوج الأم لا يجد رغبة في نكاح ربيبته، فهي بمنزلة الابنة له فرعا عن نكاحه أمَها، ولذلك صار محرما لها، وهذا وجه آخر من أوجه حكمة الشارع، عز وجل، إذ الأمر باحتجابها عنه، مع كثرة دخوله عليها ودخولها عليه، من الحرج بمكان، والحرج مرفوع شرعا، فصار الأمر الشرعي موائما للظرف الكوني، إذ قدر الله، عز وجل، له كونا، أن يتزوج بأمها، فقدر له شرعا أحكاما تلائم حالته، فلا إفراط بمنع كلي من رؤيتها، يوقعه في الحرج في بيته: المأوى الذي يجد فيه كل رجل من السعة والراحة ما لا يجده في غيره، ولا تفريط بالتهاون في شأن العورات فلا يجوز له الاطلاع إلا على ما يظهر عادة من وجه وشعر وذراعين وأطراف ساقين ........ إلخ مما تناولته كتب الفقه تقريرا واستدلالا.

فالشرع لا يأتي إلا بما يوائم الفطرة السوية، فلا يأتي بما ينافيها أو يجافيها، كما ادعى من أنكر حكم التشريع فجعلها أوامر محضة تصدر بمقتضى قدرته، جل وعلا، القاهرة، دون نظر إلى حكمته البالغة.

وإلى طرف من ذلك أشار الرازي، رحمه الله، بقوله:

"فلو لم يدخل على المرأة أب الرجل وابنه. ولم تدخل على الرجل أم المرأة وبنتها، لبقيت المرأة كالمحبوسة في البيت، ولتعطل على الزوج والزوجة أكثر المصالح ولو أذنا في هذا الدخول ولم نحكم بالمحرمية فربما امتد عين البعض إلى البعض وحصل الميل والرغبة وعند حصول التزوج بأمها أو ابنتها تحصل النفرة الشديدة بينهن، لأن صدور الإيذاء عن الأقارب أقوى وقعا وأشد إيلاما وتأثيرا، وعند حصول النفرة الشديدة يحصل التطليق والفراق، أما إذا حصلت المحرمية انقطعت الأطماع وانحبست الشهوة، فلا يحصل ذلك الضرر، فبقي النكاح بين الزوجين سليما عن هذه المفسدة". اهـ

وقيد: "اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ": مؤثر فله مفهوم، إذ لو لم يدخل بالأم فالبنت تحل له فليست من محارمه، فمناط المسألة كما قرر الفقهاء أن: الدخول بالأمهات يحرم البنات، والعقد على البنات يحرم الأمهات، ولو لم يكن دخول، فمن عقد على امرأة، وطلقها قبل أن يدخل بها، فقد حرم عليه، نساؤها: أصولا من أم أو جدة أو ........ إلخ.

وذلك، أيضا، مما يظهر به التلاؤم بين حكم الألوهية الشارع، وحكم الربوبية التي جبل قلب الأم على المسامحة، وقلب البنت على المشاحة، فالأم تنزل للبنت عن حقها، فعفي عن تحريم العقد في حقها، فلا تحرم البنت إلا بالدخول بأمها، بخلاف البنت فإنها لا تنزل عن حقها، فصار مجرد العقد عليها محرما لأمها. فشرع الله، عز وجل، من الحكمة بحيث راعى ما جبلت عليه القلوب والأبدان بمقتضى الإرادة الكونية النافذة، فالتوافق بين الإرادتين: الكونية والشرعية: أصل يفزع إليه عند النظر في الأحكام الشرعية التي بلغت الغاية في الحكمة فرعا عن صدورها عن علم أزلي محيط بدقائق النفوس، مصداق قوله تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ: نص على المفهوم إمعانا في البيان وإزالة الإجمال، فإن لم تكونوا دخلتم بالأمهات فلا جناح عليكم في نكاح البنات، وحذف معمول نفي الجناح لدلالة السياق عليه اقتضاء، فتقدير الكلام: فلا جناح عليكم في نكاح البنات إن لم تكونوا دخلتم بالأمهات كما تقدم. وبذلك استدل الأحناف، رحمهم الله، على نفي حجية المفهوم، إذ لو كان حجة لكفى لمحه من المنطوق السابق دون حاجة إلى النص عليه بعينه.

وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ:

فقيد: "من أصلابكم": معتبر المفهوم، فتحل حليلة الابن المتبنى دون حليلة الابن الصلبي، إذ هي كالربيبة، لا تتشوف إليها نفس الأب، فهي كابنته، والأب مأمون على ابنته، بموجب ما ركب الله، عز وجل، فيه من غريزة الأبوة، إلا من فسدت فطرته، فذلك ممن يزول الحكم في حقه لزوال علته، فتؤمر الابنة أو الربيبة أو زوجة الابن الصلبي بالاحتجاب عنه إن كان غير مأمون عليهن، فمناط المسألة: أمن الفتنة، فقد خفف الشارع، عز وجل، بموجب علمه وحكمته، في مواضع تبعد فيها الفتنة، فالأحكام معلقة بمظانها، وإن لم تعم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير