تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كل الجزئيات، فهي كليات أغلبية، فإن شذ جزئي أو أكثر، تخلف الحكم في حقه دون أن تبطل حجية الحكم الكلي في بقية الصور، ويقال كذلك لمن زعم بأن الفتنة في حقه مأمونة وإن لم يكن محرما للمرأة: ما ذكرته خلاف الفطرة الكونية التي فطر الله، عز وجل، عليها خلقه، فإن كنت صادقا، فتلك صورة مستثناة لا يتغير الحكم من أجلها، وإلا اضطربت الأحكام واحتجنا إلى شريعة لكل مكلف تبعا لحاله!، فالأحكام، كما تقدم، معلقة بمظانها، والحكم إذا علق على المظنة لم تعتبر حقيقة الحكمة، كما قرر أهل الأصول، فلا يضر في اطراد الحكم تخلفه في صورة جزئية، فالحكم مطرد في الصورتين: صورة من لم تؤمن فتنته وإن كان محرما، فيطرد الحكم في بقية الصور ولا يطرد في حقه سدا للذريعة، وصورة من زعم عدم الافتتان مع كونه ليس بمحرم، فيطرد الحكم في صورته وبقية الصور من باب أولى، فالاطراد، كما تقدم، متحقق في كلتا الصورتين، وإنما أخرج الأول من العموم المطرد فحظر عليه ما أبيح لغيره من المحارم وإن اشترك معهم في وصف المحرمية، وأدخل الثاني في العموم المطرد وإن تخلف الوصف الذي علق عليه الحكم في حقه، إن كان صادقا في عدم افتتانه وذلك من البعد بمكان فلا يتصور إلا إذا كان عنينا لا شهوة له فتجري عليه أحكام غير أولي الإربة، إنما كان ذلك احتياطا لأمر العرض، فتحقق الاحتياط بسد الذرائع إلى الفتنة، وبقيت الأحكام مطردة يحتج بها في بقية الصور، وذلك، أيضا، من دقة التشريع الإسلامي وإعجازه، فهو شرع يتعامل مع الواقع بحكمة دون أن يداهن أو يتنازل لضغط الواقع كما وقع في بقية الأديان التي تقدم من التنازلات ما تقدم تأليفا لقلوب الأتباع، ولو بدلت الشرائع والأحكام بما يلائم أمزجتهم الفاسدة، فهو شرع يوافق المنقول المتواتر من خبر وحال الأنبياء عليهم السلام، والمعقول الذي تواطأت على صحته العقول الصريحات، فضلا عن ملاءمته ما ركب في النفوس من الغرائز الحسية والمعنوية من ميول جسدية وقلبية، والعوائد الجبلية في أمور المطعم والمشرب والملبس والمنكح والمسكن ........ إلخ. وكما تقدم مرارا: لا يحيط بتلك الدقائق علما وحكمة إلا الرب، جل جلاله، فيشرع لها من الأحكام ما يناسبها، فهو الشارع فرعا عن كونه العالم ذا العلم المحيط والحكمة البالغة، وأنى لعقل بشري أن يأتي بمثل تلك الأحكام المفصلة دقة واطرادا، إن غايته أن يدرك الكليات التي أجمعت عليها العقول الصريحة والفطر السوية من استحسان العدل واستقباح الظلم، فقد ركب الله، عز وجل، فيه، معرفة الحسن من القبيح إجمالا، ولكنه في مقام التقرير والتفصيل لا يستقل بالإنشاء والبيان، لعجزه وقصوره عن تصور المآلات العاجلة أو الآجلة، ولذلك تضطرب أحكامه باضطراب العقول وتغير أحوالها، فالعقل يكتسب علوما جديدة كان بها جاهلا، فتتغير تصوراته وأحكامه تبعا لما طرأ عليه من العلوم، ولذلك تتغير النظريات الأرضية سواء أكانت تشريعية وضعية، أو كونية، بتغير اجتهادات منظريها، بخلاف السنن الشرعية والكونية فهي ثابتة مطردة لا اضطراب فيها ولا تناقض يستوجب تعديلها مرارا، كما يقع في النظم الأرضية، فمواد الدساتير تتغير بتغير أهواء واضعيها، ونتائج الأبحاث تختلف باختلاف عقول الباحثين وكفاءة المعامل .......... إلخ من المؤثرات الخارجية الطارئة، فالقدر الكوني والقدر الشرعي كلاهما من أمر الرب العلي، جل جلاله، الذي اتصف بالعلم الأزلي المحيط فلا بداء فيه بعد خفاء، كعلوم البشر، لتتغير أحكامه تبعا لما طرأ عليه من علم كان عنه عريا، تعالى ربنا، عن الكمال بعد النقصان، فهو الكامل أزلا، لم يكتسب كمالا كان عنه عريا، ولا يلحقه نقصان كان منه بريا، فهو المتصف بكل كمال المنزه عن كل نقصان، أزلا وأبدا، وليس النسخ بقادح في كمال علمه، جل وعلا، كما قال من فسد قياسه العقلي، فقاس النسخ على البداء، إذ النسخ يكون عن علم بمناسبة المنسوخ لزمانه، لتعلق المصلحة به، فهي العلة وهو المعلول، ومناسبة الناسخ لزمانه، لتعلق المصلحة به، فالمسألة من باب: دوران الحكم مع علته وجودا وعدما، ولا يلزم من ذلك جهل الحاكم بزمان تعلق المصلحة بالمنسوخ، ثم زوال ذلك التعلق لتصير المصلحة في الناسخ، فالذي شرع هو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير