تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قَوْلهمْ: " بِحَمْدِك " اِعْتِرَاضًا بَيْن الْكَلَامَيْنِ , كَأَنَّهُمْ قَالُوا: وَنَحْنُ نُسَبِّح وَنُقَدِّس , ثُمَّ اِعْتَرَضُوا عَلَى جِهَة التَّسْلِيم , أَيْ وَأَنْتَ الْمَحْمُود فِي الْهِدَايَة إِلَى ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم.

وَنُقَدِّسُ لَكَ

أَيْ نُعَظِّمك وَنُمَجِّدك وَنُطَهِّر ذِكْرك عَمَّا لَا يَلِيق بِك مِمَّا نَسَبَك إِلَيْهِ الْمُلْحِدُونَ , قَالَ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح وَغَيْرهمَا. وَقَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره: الْمَعْنَى نُطَهِّر أَنْفُسنَا لَك اِبْتِغَاء مَرْضَاتك وَقَالَ قَوْم مِنْهُمْ قَتَادَة: " نُقَدِّس لَك " مَعْنَاهُ نُصَلِّي. وَالتَّقْدِيس: الصَّلَاة. قَالَ اِبْن عَطِيَّة: وَهَذَا ضَعِيف. قُلْت: بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيح , فَإِنَّ الصَّلَاة تَشْتَمِل عَلَى التَّعْظِيم وَالتَّقْدِيس وَالتَّسْبِيح , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده: (سُبُّوح قُدُّوس رَبّ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح). رَوَتْهُ عَائِشَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم. وَبِنَاء " قَدَّسَ " كَيْفَمَا تَصَرَّفَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّطْهِير , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: " اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة " [الْمَائِدَة: 21] أَيْ الْمُطَهَّرَة. وَقَالَ: " الْمَلِك الْقُدُّوس " [الْحَشْر: 23] يَعْنِي الطَّاهِر , وَمِثْله: " بِالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى " [طَه: 12] وَبَيْت الْمَقْدِس سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يُتَقَدَّس فِيهِ مِنْ الذُّنُوب أَيْ يُتَطَهَّر , وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّطْلِ: قَدَس ; لِأَنَّهُ يُتَوَضَّأ فِيهِ وَيُتَطَهَّر , وَمِنْهُ الْقَادُوس. وَفِي الْحَدِيث: (لَا قُدِّسَتْ أُمَّة لَا يُؤْخَذ لِضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيّهَا). يُرِيد لَا طَهَّرَهَا اللَّه , أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه. فَالْقُدْس: الطُّهْر مِنْ غَيْر خِلَاف , وَقَالَ الشَّاعِر: فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بِالسَّاقِ وَالنَّسَا كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَان ثَوْب الْمُقَدَّس أَيْ الْمُطَهَّر. فَالصَّلَاة طُهْرَة لِلْعَبْدِ مِنْ الذُّنُوب , وَالْمُصَلِّي يَدْخُلهَا عَلَى أَكْمَل الْأَحْوَال لِكَوْنِهَا أَفْضَل الْأَعْمَال , وَاَللَّه أَعْلَم.

قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ

" أَعْلَم " فِيهِ تَأْوِيلَانِ , قِيلَ: إِنَّهُ فِعْل مُسْتَقْبَل. وَقِيلَ: إِنَّهُ اِسْم بِمَعْنَى فَاعِل , كَمَا يُقَال: اللَّه أَكْبَر , بِمَعْنَى كَبِير , وَكَمَا قَالَ: لَعَمْرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَل عَلَى أَيّنَا تَعْدُو الْمَنِيَّة أَوَّل فَعَلَى أَنَّهُ فِعْل تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِأَعْلَم , وَيَجُوز إِدْغَام الْمِيم فِي الْمِيم. وَإِنْ جَعَلْته اِسْمًا بِمَعْنَى عَالِم تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ. قَالَ اِبْن عَطِيَّة: وَلَا يَصِحّ فِيهِ الصَّرْف بِإِجْمَاعٍ مِنْ النُّحَاة , وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي " أَفْعَل " إِذَا سُمِّيَ بِهِ وَكَانَ نَكِرَة , فَسِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيل لَا يَصْرِفَانِهِ , وَالْأَخْفَش يَصْرِفهُ. قَالَ الْمَهْدَوِيّ: يَجُوز أَنْ تُقَدِّر التَّنْوِين فِي " أَعْلَم " إِذَا قَدَّرْته بِمَعْنَى عَالِم , وَتَنْصِب " مَا " بِهِ , فَيَكُون مِثْل حَوَاجّ بَيْت اللَّه. قَالَ الْجَوْهَرِيّ: وَنِسْوَة حَوَاجّ بَيْت اللَّه , بِالْإِضَافَةِ إِذَا كُنَّ قَدْ حَجَجْنَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَجْنَ قُلْت: حَوَاجّ بَيْت اللَّه , فَتَنْصِب الْبَيْت , لِأَنَّك تُرِيد التَّنْوِين فِي حَوَاجّ. قَوْله تَعَالَى " مَا لَا تَعْلَمُونَ " اِخْتَلَفَ عُلَمَاء التَّأْوِيل فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " مَا لَا تَعْلَمُونَ ". فَقَالَ اِبْن عَبَّاس: كَانَ إِبْلِيس - لَعَنَهُ اللَّه - قَدْ أُعْجِبَ وَدَخَلَهُ الْكِبْر لَمَّا جَعَلَهُ خَازِن السَّمَاء وَشَرَّفَهُ , فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَزِيَّةٍ لَهُ , فَاسْتَخَفَّ الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة فِي جَانِب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَالَتْ الْمَلَائِكَة: " وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك " [الْبَقَرَة: 30] وَهِيَ لَا تَعْلَم أَنَّ فِي نَفْس إِبْلِيس خِلَاف ذَلِكَ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ: " إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " [الْبَقَرَة: 30]. وَقَالَ قَتَادَة: لَمَّا قَالَتْ الْمَلَائِكَة " أَتَجْعَلُ فِيهَا " [الْبَقَرَة: 30] وَقَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ فِيمَنْ يُسْتَخْلَف فِي الْأَرْض أَنْبِيَاء وَفُضَلَاء وَأَهْل طَاعَة قَالَ لَهُمْ " إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ ". قُلْت: وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ مِمَّا كَانَ وَمِمَّا يَكُون وَمِمَّا هُوَ كَائِن , فَهُوَ عَامّ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير