تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في تحقيق المسند، والألباني في الإسراء والمعراج) وكذلك كان بدء دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صار بَعْدُ أكثرَ الأنبياء أتباعاً.

ولنا اليقين أن القِلَّةَ إذا تحققت بولاية اللهِ صَنَعَ اللهُ بها الأعاجيب! وإن الله تعالى إذا نظر بعين الرضا إلى عبد من عباده، أو إلى ثلة قليلة منهم - ولو كانوا معدودين على رؤوس الأصابع – جعل منهم مفاتيح للخير، شهداء على الناس! وقد نُقِلَ عن الفضيل بن عياض حكمةٌ من أبلغ الحكم فيما نحن فيه! قال رحمه الله: (اِلْزَمْ طُرُقَ الْهُدَى وَلاَ يَضُرُّكَ قِلَّةُ السَّالِكِينَ! وإيَّاكَ وَطُرُقَ الضَّلاَلَةِ، وَلاَ تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ!) (الأذكار للنووي: 160) وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ! وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ! وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَاناً! وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ! إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ! وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ! وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَاباً لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِماً وَيَقْظَانَ!) (جزء حديث رواه مسلم، عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم)

والشاهد عندنا في هذا الحديث: هو نظر الرحمن بعين الرضا إلى تلك البقية القليلة - بل النادرة - من موحدي أهل الكتاب، واستثناؤهم من مقت الله وغضبه! ومعلوم أن بضعة رجال من النصارى الموحدين، ممن بقي على دين عيسى - عليه السلام – من غير تحريف ولا تبديل؛ قد فروا بدينهم - خوفاً من اضطهاد الكنيسة البيزنطية، القائمة على عقيدة التثليث، وعبادة الصليب - وتفرغوا لعبادة الله بعيداً في أطراف الجزيرة العربية (لك أن تنظر قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، وهي بطولها في مسند أحمد، وفيها قوله رضي الله عنه لمعلمه الراهب عندما حضرته الوفاة، وما بقي على الأرض أحد سواه، ممن هو على دين عيسى الحق، فقال له سلمان: (إِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ! وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ، هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ .. ) الحديث. رواه أحمد، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.). فالتفتَ إليهم الرحمن بعنايته ورحمته، وذكرهم بخير في محكم كتابه، قرآناً يُتْلَى إلى يوم القيامة! وفي ذلك ما فيه من التشريف والتكريم! قال جل جلاله: ?وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ! ? (المائدة: 82 - 83) وعلى ذلك الوزان جرى ذكر أصحاب الكهف قبلهم، وإنما هم سبعة شبان، في سواد عظيم من الكفار!

فهل من شباب يستجيبون لنداء الله؟ ويسلكون بمسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيدخلون في ابتلاءات القرآن المجيد؛ تخلقاً بأخلاقه، وتحققاً بمنهاجه، وتلقيا لرسالاته، ثم بلاغها إلى سواد الأمة عبر مجالس القرآن ومدارساته، تدبراً وتفكراً!

من يبادر إلى إنقاذ نفسه، مع من وفقه الله إلى إصلاحهم من المسلمين؟ فيعود بهم من متاهات الشرود إلى هُدَى القرآن القويم، ويتحلل من شكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه: ?وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِيَ اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً! ? (الفرقان: 30)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير