تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وانتقل الأوروبي من مرحلة الطاغوت الخاص: طاغوت أنا الدولة على وزان: إحنا الحكومة عندنا في مصر! إلى مرحلة الطاغوت العام: طاغوت العقد الاجتماعي الذي يشرع ما شاء من القوانين بمعزل عن الوحي إذ لا حظ له منه ابتداء، وصار الإنسان باعتبار جنسه هو السيد المطاع طاعة مطلقة بعد أن كان الملك أحد أفراده هو السيد المطاع وحده، فلم ترجع تلك الثورة أوروبا إلى الطريق الصحيح: طريق النبوات وإنما نقلتها من طغيان إلى آخر، وإن اختلفت صورة الطاغوت فهو فرد في الأولى، وبرلمان في الثانية يتولى صياغة العقود الاجتماعية وفق هوى من انتخب نوابه، وهم، عند التحقيق، جماعات ضغط لها مصالح تستحق الإنفاق بسخاء على حملات النواب الانتخابية، بل حملات الرؤساء كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن رأس السلطة السياسية هماك ليس سيد قراره!، بل هو عبد قرار من أوصله إلى البيت الأبيض، فإذا خرج عن النص فإن مصيره سيكون مصير الرئيس الأمريكي الراحل: كيندي، وفي ذلك عبرة لمن اغتر بتصريحات ووعود الرئيس الأمريكي الحالي، فهي مجرد كلام، والفعل: ما يجري الآن منذ نحو ثلاثة أسابيع في إقليم هلمند في بلاد الأفغان، والفعل: الاتفاقيات المشتركة مع روسيا الخصم اللدود لتسهيل الإمداد اللوجستي للقوات الدولية المتورطة في بلاد الأفغان. فالرجل لا يملك من أمر نفسه شيئا ليفي بوعوده التي قطعها على نفسه في البرلمان التركي وجامعة القاهرة!.

وأما العالم الإسلامي فإنه لا يفتقر إلى تلك التجارب الثورية الدموية، تجارب: "اشنقوا آخر ملك بأمعاء أخر قسيس"!، ليستمد منها دساتير وقوانين وهو الأمر الثاني الذي تكلم عنه ذلك الضيف إذ ضرب مثلا بالدستور المصري أيام الملكية فهو دستور بلجيكي التصميم إذ بلجيكا مملكة يملك فيها الملك بلا حكم، فمرد السلطان التشريعي للبرلمان، ومرد السلطان التنفيذي لرئيس الوزراء، ولا زال هذا حالها إلى يوم الناس هذا، ضرب مثلا بواقعة حدثت بين الملك ورئيس الوزراء آنذاك وكان وفديا، وحزب الوفد من الأحزاب العلمانية العريقة في مصر بل في العالم الإسلامي فهو من الطلائع المبكرة للغزوة العلمانية على أرض الشرق المسلم، وفي تلك الواقعة اختلف الملك ورئيس الوزراء حول أحد بنود الدستور، فطلب رئيس الوزراء من الملك حكما بينهما، فاختارا خبيرا بالقانون البلجيكي، ففصل النزاع بينهما!، وهذا ما أثار إعجاب مقدم البرنامج فهو دليل على نضج الحياة السياسية آنذاك!، مع أن ذلك عند التأمل نقض صريح لقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، فلسان حالهما: فردوه إلى الخبير البلجيكي!.

ويوم اختلف أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، مع العباس عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مسألة تتعلق بتوسيع المسجد النبوي تحاكما إلى حذيفة، رضي الله عنه، وأغلب الظن أن حذيفة، رضي الله عنه، لم يكن خبيرا بالقانون البلجيكي، وإنما كان خبيرا بالوحي، خبيرا بالنبوات مادة صلاح الأديان والأبدان، خبيرا بـ:

قوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) فله الحكم الكوني على جهة التفرد الذي دل عليه القصر بأقوى أساليبه، وله ما تفرع عنه من الأمر بإفراده بالعبادة، بأقوى أساليب القصر، أيضا، فله كمال الربوبية وله كمال لازمها من الألوهية، فالسياق هنا دال على ترجيح معى الحكم الكوني، إذ المطرد، في التنزيل، في تقرير مسائل الألوهية، الاستدلال بمقدمات الربوبية على نتيجة وجوب إفراد الرب جل وعلا بشتى صنوف التأله.

خبيرا بـ:

(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، فترد المنازعات العلمية والعملية إلى الله، عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والرد إليهما يكون بالرد إلى الكتاب والسنة، ولا يملك أهلية النظر فيهما إلا من له من الإحاطة بلسان العرب وأصول الشرع وأسراره ومقاصده ما يمكنه من استنباط الأحكام، فالمجتهد مستثمر ينظر في الدليل طلبا لثمرة الاستدلال، وليس ذلك لكل مكلف لا سيما في دقائق المسائل العلمية والعملية، وأصحاب كل فن أدرى بأصوله وأعرافه الخاصة من اصطلاح ونحوه، فلكل علم أهل ذكر يستفتون في نوازله سواء أكان ذلك في الشرعيات أم التجريبيات.

ومن تأمل هذه الشريعة الخاتمة علم يقينا استغناء أهلها في العلوم والأعمال، في الأصول والفروع عما سواها، ومن مأثور كلام الغلام المعلم ابن مسعود رضي الله عنه: (اتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ).

وليت المسلمين ساروا على طريقة اليابان، كما قال بعض المفكرين المعاصرين، فإن اليابان نجحت في نقل تكنولوجيا الغرب، وقصة ناقلها وهو أحد المبتعثين إلى أوروبا لنيل شهادة الدكتوراه قصة شهيرة إذ عمل ذلك المبتعث ساعات طوال في أحد المصانع تحت إمرة من هم دونه في الدرجة العلمية حتى أتقن ما ابتعث من أجله فنقله إلى أمة اليابان، ولم ينقل معه شيئا من ثقافة الغرب، إذ في ثقافته اليابانية كفاية له!، مع كونها إلحادية، فثقافة الغرب النصراني أفضل منها على كل حال إذ فيها بقية من آثار النبوات ولو كانت محرفة، ولكنه اكتفى بما عنده من باطل وأخذ ما يريده لأمته، بخلاف المسلمين أصحاب الثقافة التي تفوق ثقافة الغرب النصراني بمراحل، ومع ذلك أعرضوا عما عنده من التكنولوجيا الحديثة فلم ينقلوا منها إلا التكنولوجيا الاستهلاكية فضلا عما نقلوا من نحاتة أفكار أوروبا من تشريعات وأعراف فاسدة وأخلاق رديئة وموضات ........ إلخ من المساوئ.

وإلى الله المشتكى.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير