تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهي شروط تدل على مدى الضعف الذي بلغته الخلافة الموحدية بعد هزيمة العقاب القاسية سنة 609 هـ، فقد كانت بداية سقوط الخلافة الموحدية في المغرب، وانهيار دولة الإسلام في الأندلس فبعدها بسنوات تساقطت قلاع الأندلس تباعا، وليس بين هذه الشروط وشروط صلح الحديبية نسب!، فإن المأمون لم يكن يصدر عن وحي كما صدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن الوحي لا يأمر ببناء الكنائس في بلاد المسلمين، وتسليم حصون المسلمين لأعدائهم!.

وقد نمت الجالية النصرانية في المغرب بعد هذه المعاهدة نموا سرطانيا مطردا أشار إليه الأستاذ عنان في موضع آخر بقوله:

"وقد لفت قيام هذه الجالية النصرانية القوية، في العاصمة الموحدية، منذ البداية، نظر الكرسي الرسولي، ورأى فيها سندا لتدخله، ومحاولة بث نفوذه. وكان أول ما وقع من ذلك أن بعث البابا إنوسان الرابع، بالقس: لوبي فرنانديز إلى مراكش في سنة 1246 م، في عهد الخليفة السعيد، ليكون أسقفا بها، وكان السعيد كأبيه المأمون، يغمر الجند النصارى بعطفه وصلاته، ويعتبرهم ملاذ العرش الموحدي، وسنده القوي. وبعث البابا إلى الخليفة مع الأسقف كتابا يهنئه فيه، بانتصاراته على خصومه، في سجلماسة، وبلاد الغرب، ويشيد بالدور الذي قام به الجند النصارى في هذه الانتصارات، بل وينصح الخليفة لما كان يعلمه من استعداده، لاستقبال طوائف جديدة من أولئك الجند، ولما كان يحبوهم به من عطف، ينصحه بأن يعتنق النصرانية لكي يغنم حماية الله والكرسي الرسولي، ثم يرجوه لضمان حماية النصارى، ولكي لا يتعرضوا إلى مثل ما حدث لهم أيام يحيى المنتصر من القتل ومن حرق كنيستهم، أن يخصص لهم بعض الحصون المنيعة، الواقعة تحت سلطانه، لكي يلجأوا إليها عند الضرورة، وكتب البابا في نفس الوقت إلى أمراء تونس وبجاية وسبتة، يرجوهم أن يسهلوا لنصارى مراكش الاتصال بإخوانهم في تلك الثغور". اهـ

"دولة الإسلام في الأندلس"، "العصر الثالث: عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس: القسم الثاني: عصر الموحدين وانهيار الأندلس الكبرى"، ص537.

فهي خطة محكمة لنسج خيوط شبكة تنصير في شمال إفريقية من جنس شبكة التنصير التي تعمل الآن في دول شمال إفريقية، فالكنيسة الإنجيلية تنشط، كما تقدم في مواضع سابقة، في مناطق البربر في المغرب وشرق الجزائر، وفي مناطق النوبة في جنوب مصر، فضلا عن نشاطها المرصود أخيرا في تونس في محاولة لتكوين أقليات في تلك الدول تصير بعد ذلك أوراق ضغط، فضلا عن أوراق الضغط الداخلية كنصارى مصر، ورقة الضغط المؤثرة، مع خلافهم الديني العميق مع البروتستانت والإنجيليين، فتنصير خارجي وداخلي، والهدف سياسي لا أكثر لقلة من المنتفعين تترأس باسم الدين، فتوجه جموع الأتباع كما تشاء لعظم جهلهم بأمور الديانة.

ثم تطور الأمر إلى حد مكاتبة الخليفة المرتضى للبابا مفندا شبهات التثليث وتأليه المسيح، عليه السلام، فكان ردا قويا من المرتضى، ولكنه يدل من وجه آخر، كما يقول الأستاذ عنان، على مدى تنامي النفوذ النصراني في الخلافة الموحدية التي صارت تحتفظ بقواعد عسكرية! دائمة للنصارى على أراضيها فهي التي تتولى الدفاع عنها ضد إخوانها من المسلمين من دول الجوار بعد أن لم يكن لها وجود ابتداء قبل نحو 22 عاما من تاريخ هذه الرسالة المؤرخة في ربيع أول سنة 648 هـ. فذلك أثر من آثار المعاهدات المشئومة بين الجنوب والشمال، ولم ولن يتوقف طمع الشمال في الجنوب وأهله، ولعل حملات التنصير التي تعصف الآن بالشمال الإفريقي كله من مصر إلى المغرب خير شاهد على ذلك.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير