تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن العقل والإرادة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 04 - 2010, 08:18 ص]ـ

من كلام بعض الفضلاء المعاصرين في هذه المسألة الدقيقة، وبداية مع حقيقة العقل عند أهل الإسلام، فيقول ابن القيم رحمه الله في معرض بيان حقيقة العقل عند منكري الأسباب والقوى والطبائع وعند أئمة السلف كأحمد والمحاسبي، رحمهما الله، يقول في معرض بيان ذلك:

"ولهذا كان منكرو الأَسباب والقوى والطبائع يقولون: العقل نوع من العلوم الضرورية كما قال القاضيان أبو بكر بن الطيب وأبو يعلى بن الفراءِ وأَتباعهما.

وقد نص أَحمد على أَنه غريزة، وكذلك الحارث المحاسبى وغيرهما".

"طريق الهجرتين"، ص140.

ومادة الغرز تدل على نوع تمكين لشيء في شيء، فتغرز الشجرة في الأرض، فتتمكن بجذورها في الأرض، كما أشار إلى ذلك صاحب "اللسان"، رحمه الله، بقوله:

"غَرَزَ الإِبْرَةَ في الشيء غَرْزاً وغَرَّزَها أَدخلها وكلُّ ما سُمِّرَ في شيء فقد غُرِزَ.

وغُرِّزَ وغَرَزْتُ الشيءَ بالإبرة أَغْرِزُه غَرْزاً". اهـ

فالعقل فطرة مركبة في الإنسان، قد تمكنت من نفسه تمكن المغروز فيما غرز فيه، فذلك من كمال عنايته، عز وجل، بالنوع الإنساني، بتكريمه بتلك الغريزة التي انفرد بها عن سائر المخلوقات، وبها تعلق التكليف الشرعي، فالعقل مناط التكليف كما قرر الأصوليون.

ومن مسائل هذا الباب:

الفرق بين العلم والمعرفة: فالمعرفة أخص من العلم فإن العلم هو الدرجة الأولى من المعرفة فبه يحصل في الذهن التصور للمعلومة، قبل أن يعالجها الإنسان بقواه المعرفية، فذلك من جنس عمل المعالج في الحاسبات الآلية فاختزان المعلومة في القرص الصلب: علم، ومعالجة هذه البيانات بواسطة المعالج: معرفة، فكذلك الإنسان فإنه يختزن المعلومات في خلاياه العصبية الدماغية، وهي خلايا لا تتجدد، فذلك من حكمة الرب، جل وعلا، لئلا تفقد المعلومات، وإنما ينسى الإنسان بعضها لا سيما إذا تكاثرت، فالنسيان مؤقت، إذ تنتقل المعلومات القديمة إلى جزء مهمل في الذاكرة، فهي بطول هجرانها في حكم المحذوف، الذي يلقي في سلة المهملات كما في نظم التشغيل المعروفة، فتحل المعلومات الجديدة محلها وتحتل المساحة التخزينية التي كانت تشغلها، فذلك من جنس حذف بيانات من القرص الصلب ونقل بيانات جديدة من مصدر معلومات، كالشبكة العنكبوتية، أو قرص صلب آخر، أو قرص ممغنط، أو قرص ليزري ...... إلخ من وسائط التخزين المعروفة، فكذلك الإنسان: يختزن كما كبيرا من المعلومات في جهازه العصبي، ولها مصادر خارجية أو داخلية، فالمصادر الخارجية كالحواس الظاهرة التي تكتسب المعلومات من الخارج بما أودع الرب، جل وعلا، فيها من قوى الحس والإدراك، وأما المصادر الداخلية فهي الخواطر التي تكون برسم الخير من الله، عز وجل، أو من الملك، أو من نازع الخير في نفس الإنسان، أو تكون برسم الشر من الشيطان أو من نازع الشر في النفس الأمارة بالسوء، فإذا تكاثرت المعلومات أنسى بعضها بعضا، فالعلم ينسي بعضه بعضا، لا سيما إن لم يراجع المخزون القديم، وذلك يظهر بوضوح في حفظ الكتاب العزيز، فإن المحفوظ إن لم يراجع باستمرار أنسى بعضه بعضا، والنسيان، أيضا، يكون مؤقتا إذ تنتقل المحفوظات القديمة إلى مساحات مهملة في الذاكرة البشرية، فإذا استذكرها الإنسان فإن العقل يقوم بأداء مهمة كمهمة الاسترجاع من سلة المهملات في نظم التشغيل، فيسترجع المعلومة بمراجعتها، وإذا تلف جزء من القرص الصلب بفقد مادة حياته التي هي المغناطيسية التي تختزن البيانات، فإن البيانات الموجودة على هذا الموضع التالف: تفقد بل ويفقد المحل صلاحيته لتخزين معلومات جديدة فغايته أن يحاصر بإعادة تشكيل القرص الصلب ففيه خيار يعزل المناطق التالفة لئلا تسري عدوى التلف منها إلى بقية المناطق، وذلك، أيضا، محاكاة لما يقع للعقل البشري، فإن خلاياه قد تتعرض للتلف كما يقع لمرضى الزهايمر، على سبيل المثال، فتصاب مواضع من الذاكرة بالعطب، فلا يمكن إصلاحها مرة أخرى، ولذلك يقع الاختلاط أو التغير الذي احترز منه المحدثون، فلم يقبلوا رواية المختلط إلا ما كان قبل اختلاطه، وأما ما كان بعده فإنهم يتوقفون فيه حتى يرد له دليل عاضد من طريق أخرى عن راو آخر، أو عن راو عن نفس المختلط

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير