[تجلي قوس الطيف الربيعي في تحلي الخريف]
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[14 - 05 - 2010, 08:09 م]ـ
تَجَلِّي قَوْسِ الطَّيْفِ الرَّبيعيّ في تَحَلِّي الخَريفِ
http://www.l22l.com/uploads/065c36eba1.jpg (http://www.l22l.com)
القوس يذكّر ويؤنّث، فإن شئت أن تجعل (الربيعيّ) وصفا للقوس فذلك جائز، وإن شئت أن تجعله وصفا للطيف فهو أحبُّ إليَّ، لأن ألوان الطيف أصول مجملة لألوان الربيع، وألوان الربيع تَمَازُجٌ مُفَصَّل لا محدود بين ألوان الطيف.
و (قوس الطيف) تسمية مني، سميت بها هذه القوس التي ترى عقب المطر وبُدُوِّ الشمس من بين السحاب مُتَجَنِّبًا اسم (قوس قزح) لما ورد في الخبر: (لا تقولوا قوس قزح، ولكن قولوا قوس الله، فإن قُزَحَ من أسماء الشيطان) فهي قوس الله، يتجلى فيها إبداعه سبحانه للجمال الآخذ بالألباب.
وقد سمّاها الوأواء الدمشقي (قوس السماء) فقال:
أحْسِنْ بيومٍ ترى قوسَ السماءِ به ... والشمسُ مُسفِرةٌ والبرقُ خَلَّاسُ
كأنّها قوسُ رامٍ والبروقُ لها ... رَشْقُ السِّهامِ وعينُ الشمسِ بُرجاسُ
وسماها سيف الدولة قوس السَّحاب فقال:
وساقٍ صبيح للصَّبُوحِ دعوتُه**فقام وفي أجفانه سِنَةُ الغَمْضِ
يَطُوفُ بكاسات العُقارِ كأنجمٍ**فَمِنْ بين مُنْقَضٍّ علينا ومُنفَضِّ
وقد نَشَرَتْ أيدي الجَنوبِ مطارفا**على الجوِّ دُكْنًأ والحواشي على الأرض
تُطَرِّزُها قَوْسُ السَّحابِ بأحمرٍ** على أصفرٍ في أخضرٍ إثرَ مُبْيَضِّ
كأذيال خُودٍ أقبلَتْ في غلائلٍ**مُصَبَّغَةٍ والبعضُ أقصرُ من بعضِ
والذي أريده من هذه القوس جمالها الذي يُعَدُّ من آيات الله الباهرة في هذا الكون الجليل الجميل، ولا أريد مدة بقائها، لأنها لا تلبث إلا قليلا، وسرعان ما تزول، حتى قال أحدهم وذكَّر القوس:
فشبّهْتُ سرعة أيامهم ... بسرعة قوس تُسَمَّى قزحْ
تلوّنَ معترضا في السما ... فما تمّ حتى نَزَحْ
والربيع والخريف كلاهما غني بالألوان، فلا عجب أن يتجلى نور الطيف الربيعي في سماء الشهبة الخريفية، ويتعانق الألق الفائز من أنفاس الربيع الحرّى مع الوهج المحكم المجلّل لروابي الخريف بمآل الألوان في تَدَرُّج الزمان.
إنه لقاء نادر بين وجودين قفزا على حاجز زمني لم يستطعْ دفعَ القوّةِ الروحية الجاذبة، فآل إلى السقوط محسورا، واندثر يرقب ما يفعله الانبهار المتبادل من عروجٍ في سماءٍ تلونها الغيوم بأشعة السرور، وتزخرفها البروق بلألاء الحبور.
فيا للتناغم والانسجام .. روضةٌ تنفستْ بَهْجةً نشوى غِبَّ مطر ربيعي، تسنّمت ربوةً ذاتَ قرار ومعين، يكسوها وقار الخريف بألوانه المعتّقة .. فلا تدري آلروضةُ استعجلت تسابق الزمن جَمَزَى، أم الربوة رجعت في الزمن القَهْقَرَى، ولكنّ الذي هو ظاهر للعيان تآلف نادر، ودليل رباني باهر على أن تجاذب أرواح الكائنات في الوجود أقوى من لباسها الظاهر.
فيا سرورَ الطفولة العابر ميعة الصبا وعنفوان الشباب المشعّ في سماء الكهولة ومروجها المفعمة بعطر الحكمة المبتهجة = ثَبِّتْ قوس طيفك الربيعي، ودع نسائم الروح السارية في نسيج الوجود تهب على شجر الأنس وفيئه الدائم، لتشدو الأغضان والأوراق بأجمل الألحان التي تطرب الوجدان، وتسمو بالروح نحو رضا الرحمن، محاكية النسائم التي تهب من تحت العرش، وتعزف بمرورها على الأشجار من الألحان ما لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا.
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[14 - 05 - 2010, 09:18 م]ـ
.
.
بارك الله فيكم أخي الدكتور. بهاء الدين عبد الرحمن.
موضوع جميل وقصائد رائعة دقيقة الوصف ...
اسمحوا لي باستعارة بعضها لوضعها في موضوع: (أجمل ما قيل في الوصف).
وتقبلوا فائق احترامي وتقديري.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[15 - 05 - 2010, 12:08 م]ـ
الله الله يا أبا محمد
رمي مصيب عن قوس الطيف البديع المتمثل بمقالتك الثرية.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 09:41 ص]ـ
.
.
بارك الله فيكم أخي الدكتور. بهاء الدين عبد الرحمن.
موضوع جميل وقصائد رائعة دقيقة الوصف ...
اسمحوا لي باستعارة بعضها لوضعها في موضوع: (أجمل ما قيل في الوصف).
وتقبلوا فائق احترامي وتقديري.
حياكم الله أخي أبا محمد ..
أشكركم على تلطفكم بالتعليق .. ولكم ما تشاؤون ..
مع التحية الطيبة ..
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 09:42 ص]ـ
الله الله يا أبا محمد
رمي مصيب عن قوس الطيف البديع المتمثل بمقالتك الثرية.
أشكرك أخي عامرا .. وأرجو أن يكون حقا مصيبا ...
بارك الله فيك ووفقك ..
مع التحية الطيبة ..
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 09:45 ص]ـ
وبعد .. إخواني وأخواتي ..
المقدمة اللغوية الأدبية المتعلقة بظاهرة قوس الطيف لم تكن غاية، وإنما أوردتها لأبرز المظهر المادي للروح الربيعية التي تخيلتها سارية في الكائنات في الربيع ..
الربيع روح صاعدة تمثل عنفوان الشباب في دورة الطبيعة والخريف يمثل حالة هبوط هذه الروح نحو الأفول ..
ولكن تخيلت أن تجلي مظاهر لروح الربيع في الخريف هو نوع من الانجذاب الروحي من المبدأ للمآل، أو حنين روحي من المآل إلى المبدأ ..
إن هذا الانجذاب الروحي أشبه بانجذاب روح فتاة عشرينية لرجل في الخمسين أو روح فتى في العشرين لامرأة في الخمسين .. أو العكس ..
فما يحدث في عالم البشر ليس ببعيد أن يحدث في الطبيعة، فحتى الجمادات لها أرواح تناسبها .. والتجاذب الروحي لا يأبه باللباس المادي الظاهر .. هي فلسفة مستمدة من قوله تعالى:
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
هَذِهِ طَابَةُ وَهَذَا أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ.
أنتظر تعليقاتكم .. مع التحية الطيبة ..
¥