تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أحلام نووية]

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 05 - 2010, 08:41 ص]ـ

من أعجب ما يرى في زماننا: تسول أمم لأحلام أخرى، وذلك مئنة من الإفلاس الفكري، وهو أمر يظهر بوضوح في انتحال كثير من أبناء العالم الإسلامي لمشروع الدولة الفارسية النووي، باعتباره مشروعا إسلاميا، مع أنه، باعتراف الجادين من أبناء الأمة الفارسية: مشروع قومي، فليس مشروعا إسلاميا، أو حتى إقليميا، فحرص الدولة الفارسية على الحفاظ على هويتها العقدية والفكرية والسياسية أمر لا ينكره إلا غافل أو متغافل، يريد أن يحيى، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، حلما جميلا، في زمن الكوابيس المعاصرة، لا سيما مع خلو الساحة من بطل حقيقي ولو قومي فليس على الساحة إلا أشباح من الورق فليتهم كانوا أبطالا ولو من ورق!، فيستعير حلم غيره، ليستمتع به، فإن حاول أحد إيقاظه فإنه على طريقة الأفلام الكوميدية يثور في وجهه، ويتناوم لعله ينجح في مواصلة الحلم الجميل، وهو، كما تقدم، مجرد حلم لا حقيقة له، فذلك من جنس حلم حرب تموز 2006 م فقد أبى كثير منا إلا أن يعيش حلما رفضت المقاومة اللبنانية نفسها مشاركة أبناء المنطقة فيه إلا بالهتافات فليس لهم دور أكبر من الدعاية لمشروع يباين في عقيدته عقيدتهم تباينا جذريا وهو أمر لا تنكره المقاومة بل تفخر به فليس إلا رأس حربة لما يسميه الأمين العام لحزب المقاومة: النظام الإسلامي الحقيقي الوحيد في المنطقة!، وما أشبه هذا الحلم النووي، بالأحلام الكروية التي يعيشها كثير من المشجعين، بمناسبة اقتراب كأس العالم!، فكثير منهم، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، لا سيما في الدول التي فشلت في التأهل إلى النهائيات!، ينتحل، أيضا، جنسيات دول تشارك في النهائيات، وغالبا ما تكون من القوى العظمى الكروية، ليعيش وهم الانتصار الذي يصل إلى حد التفريط في كثير من معاني الولاء والبراء الشرعية، بل حتى الوطنية، فترفع أعلام الدول على أسطح المنازل، وتحتشد الجماهير في المقاهي، لتعيش حلما، على تفاهته، ليس حلمها، وإنما هو حلم جماهير أخرى، يأنف كثير منها أن يشاركهم العرب أحلامهم، بوصفهم من دول العالم الثالث إنسانيا وكرويا!، فالإفلاس في كلتا الصورتين، واقع، وإن كان وقوعه أظهر في الصورة الأولى فالفارق بينهما كبير وإن كان الإشكال فيهما واحدا.

وعموما فإن الدولة الفارسية ومفكريها قد كفونا مؤنة التمسح بإنجازاتهم، بتأكيدهم المستمر على الهوية الفارسية في مقابل الهوية العربية، إذكاء للصراع المحتدم بين القبيلين من لدن بعثت النبوة الخاتمة في العرب، فزحفت جيوشها على الإمبراطورية الفارسية برسم الفتح الذي اعتبره الفرس احتلالا!، والتاريخ، كما اطرد في مثل هذه المواضع، شاهد عدل لا يكذب، فهو شاهد بما رفعه الفاتحون من مظالم عن كاهل أبناء الأمة الفارسية التي سامتها الدولة الكسروية سوء العذاب كحال أي ملك جائر لا يمت للنبوة بصلة، وأحد المفكرين الفرس المعروفين يتبجح بنجاح الحضارة الفارسية، بزعمه، في احتواء الإسلام، فإسلام النص الجامد قد نزل في الجزيرة العربية، وإسلام الأسطورة!، قد نما وازدهر في بلاد فارس، وهو بالفعل مجموعة من الأساطير!، فاعتبر أن نجاح الحضارة الفارسية في تفريس الإسلام، إن صح الاشتقاق، علامة قوة وأصالة، فلم ينجح الإسلام بمقرراته الفكرية العميقة في غزو قلاع الثقافة الفارسية الشامخة، بل على العكس نجحت الثقافة الفارسية في احتواء الإسلام، وتهذيبه، وتقريبه إلى العقلية الفارسية وفق معايير تناسب العنصرية الفارسية التي انتحلت مذهبا استأثرت به بخلاصة الرسالة الصحيحة، فما عدا مقررات مذهبها ليس إلا محض ابتداع وإحداث في الدين، فأئمة الجور من الراشدين!، ووعاظ السلاطين زمن الأمويين والعباسيين ...... إلخ مرورا بالحركات الفكرية الإصلاحية كحركة ابن تيمية، رحمه الله، ومن بعده حركة محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، أولئك هم من ابتدع في الديانة الصحيحة التي ضل عنها الصدر الأول، رضي الله عنهم، إلا آحادا مقهورين، ثم اهتدى لها المنظرون للثورة الفارسية الأخيرة، وفي ذلك ما لا يخفى من القدح في أصل الدين، والقدح في مقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلك كمبلغ عن ربه، جل وعلا،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير