تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[حول التصور والكسب]

ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 03 - 2010, 07:52 ص]ـ

من كلام بعض الفضلاء المعاصرين حول التصور والكسب:

القلب: محل التصور، وهو أيضا: محل الكسب، ففيه تنشأ الإرادات التي هي فرع عن التصورات، فتنشأ القوة العملية الباطنة من القوة العلمية، فصحة الكسب من صحة العلم، وفساد الأول من فساد الثاني، ولا يكون صلاح في هذا الشأن إلا باقتفاء أثر النبوات فهي معدن التصورات العلمية الصحيحة التي تنتج لزوما كسبا نافعا للعبد به يصلح حاله العاجل ومآله الآجل. والكسب القلبي الباطن وهو بمنزلة العلة، لا بد أن يتولد منه أثر ظاهر في أعمال الجوارح، فهو بمنزلة المعلول، فالجوارح هي محل الكسب الظاهر، وذلك جار على ما تقرر من تلازم الباطن والظاهر، فالعلة والمعلول متلازمان عقلا تلازم: السبب والنتيجة.

ومن أدلة ذلك من الكتاب العزيز:

قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ): فنسب فعل الكسب إلى القلب، فذلك الكسب الذي يؤاخذ به الكاسب لبلوغه حد الجزم القاطع فليس لغوا يجري على اللسان، بل هو قول قصده القائل قصدا جازما مؤكدا فقام الكسب بقلبه قبل أن يظهر أثره على لسانه.

وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّهُ قَال: (قِيل يَا رَسُول اللهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ خَالصًا مِنْ قَلبِهِ أَوْ نَفْسِهِ).

فرد القول النافع الذي يتعلق به حكم الشفاعة المنجية إلى الإخلاص الذي يقوم بالقلب فهو، كما تقدم، الكسب الأول الذي يظهر أثره على لسان الناطق بالشهادة والآتي بما يصدق ذلك من كسب الجوارح الظاهر، على ما تقرر من عموم الإيمان لمناطق الكسب الثلاثة: القلب الباطن، واللسان الناطق، والبدن الفاعل.

وفي صحيح مسلم قَال جَابِرٌ: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ المَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلبِهِ فَليَعْمِدْ إِلى امْرَأَتِهِ فَليُوَاقِعْهَا فَإِنَّ ذَلكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ).

فذلك يرد ما قام في نفسه من الخاطر الذي لا يؤاخذ عليه إذ لم يصر هماً جازما فينتقل بذلك إلى منطقة الكسب التي يؤاخذ عليها المكلف ثوابا أو عقابا.

فتعلقت القوى الباطنة بصورة فلا يرد ذلك إلا مباشرة مثلها على وجه مشروع تبطل به إرادة المحظور في القلب، فما يجده الإنسان من شهوة نظر أو وقاع إنما هو أثر الكسب القلبي الباطن، فإن كان على رسم الشريعة كان أثره الظاهر نكاحا مشروعا، وإن كان غير ذلك كان أثره في الظاهر سفاحا محظورا.

وفي صحيح الترمذي قَال النبي صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ: (مَنْ سَأَل اللهَ الشَّهَادَةَ مِنْ قَلبِهِ صَادِقًا بَلغَهُ اللهُ مَنَازِل الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلى فِرَاشِهِ).

فبلغ منزلة الشهداء بكسبه القلبي وإن لم يظهر أثره الظاهر لوجود المانع لا سيما في عصور الضعف والانحسار التي يحال فيها بين عامة المكلفين وبين فريضة الجهاد، كما هو الحال في زماننا.

وفي صحيح الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ قَال: (قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله سلم: مَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَل اللهُ غِنَاهُ فِي قَلبِهِ وَجَمَعَ لهُ شَمْلهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَل اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَليْهِ شَمْلهُ وَلمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لهُ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير