تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإنسان من فضول الأقوات، وليكن: الآيس كريم، على سبيل المثال، بمناسبة دخول الصيف، قد وقعت، فاختفى من الثلاجات، هل سيصبر الناس على فراقه في هذا الحر المقبل، مع أنه شيء حادث قليل النفع فمعظم البشر يستطيعون العيش بلا آيس كريم!، فكيف الحال مع شح وندرة، بل عدم، كثير من السلع الأساسية سواء أكانت غذائية أم دوائية أم مواد بناء ...... إلخ.

وليس الأمر، كما يقول أحد المفكرين من النصارى العرب المعاصرين وقد أجاد أيما إجادة فيما قاله وإن كان كلامه من وجهة نظر قومية، ليس الأمر مجرد جوال من الطحين تقدمه الحكومات العربية برسم الإغاثة وينتهي الأمر، دون أي دعم حقيقي ولو سياسي باستعمال أي ورقة ضغط مؤثر على الغرب الذي صار في مأمن من أي تحرك إيجابي، فثروات العرب من نفط وأموال مكتنزة ... إلخ قد انثالت عليه، فلا تعمل مصانعه إلا بوقود العرب، ولا ترابي بنوكه إلا بأموال العرب، فقد أسلمه العرب والمسلمون رقابهم بأيديهم وانتهى الأمر وزال خطر الاستقلال بقرار مؤثر.

ومن الغريب أن يخفف العدو الضغط، فيسمح بمرور شحنات من الخشب وبعض المواد الأساسية، في الوقت الذي يتعنت فيه الجانب المصري في إدخال بعض سيارات الإسعاف وبعض المستلزمات الطبية في إطار الحملة المتصاعدة الآن لإجبار الحكومة في غزة على قبول ورقة المصالحة التي تخدم مصالح الحكومة في رام الله، وقد ظهر من تلك الحملة: تحيز الوسيط إلى جانب دون آخر لتلاقي أهدافه مع أهداف ذلك الجانب فإمارة غزة الإسلامية، كما يسميها بعض الساسة في مصر، خطر على الأمن القومي لدولة مصر المدنية، أو: العلمانية إن صح التعبير، وليس تلك بتهمة ينكرها أصحاب القرار في مصر بل إنهم يفاخرون بها العالم لعظم جهلهم بمقررات هذا الدين.

ومن أبرز مكاسب العلمانية المعاصرة التي غزت المجتمعات الإسلامية في الأعصار المتأخرة: أنها نجحت في تهوين أمر الديانة في النفوس، ففرغت الدين من مضمونه بقصره على التصورات الوجدانية، وإن تسامحت!، فبالشعائر الفردية، فإن أنصفت!، فبالأخلاق اللازمة للنفوس، فلا تتعدى إلى غيرها بالنصح والتذكير، فعزل الدين عن واقع الحياة، وصار الشأن العام شأن قيصر فـ: "أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، وذلك ذريعة قوية إلى إضعاف عرى الولاء والبراء الإيمانية، فلا يتداعى أصحاب الدين الواحد إلى إخوانهم بالسهر والحمى، بل كل قد اعتزل بنفسه، أو عزل بضغط الواقع المرير، فالتردي قد طال كافة جوانب الحياة إلا ما رحم الرب، جل وعلا، منها، أو من رحم من المسلمين ممن لم تطل تلك الشدائد نفوسهم بالحزن والهم مع عظم أقدارهم وعلو هممهم.

ولا شك أن ما تعيشه مصر الآن، ليس وليد اللحظة، فهو أمر مفاجئ باعتبار الانهيار المفاجئ، الذي يمثل حلقة أخيرة في مسلسل إفساد طويل آخر أجزائه الصلح المشئوم مع كيان يهود في أواخر السبعينيات، فقد كان فخا محكما نجح به العدو في تحييد مصر بوصفها أكبر دولة إسلامية تجاوره، مع ما بذل من وعود التنمية ..... إلخ من الوعود المعسولة بعد سنوات الحرب الطويلة التي استنزفت مصر ماديا وبشريا، فظهر الفساد تدريجيا لا سيما مع حالة الاسترخاء التي أعقبت ذلك الصلح، وتم شي الضحية على نار هادئة، واستغرقت السنة الكونية نحو ثلاثة عقود، لتظهر أعراض المرض المفاجئة باعتبار الظهور لا باعتبار النشوء فالمرض قديم، لتظهر تلك الأعراض في حرب غزة الأخيرة، فعجز القيادة السياسية في مصر، بحساب أهل الدنيا، عجز مبرر، وإن لم يكن له اعتبار بحساب أهل الدين، وهو المعول عليه في هذا الشأن، وإنما المراد بيان وجه الخلل دون التماس عذر لأحد، فإن لكل مسلم، وليس لأهل مصر فقط، من شؤم هذه النازلة نصيب، وإنما تتفاوت الأقدار تبعا لتفاوت الأوصاف، فلكل منها قدر تبعا لحاله، فلا يستوي نصيب القريب ونصيب البعيد، ونصيب الحاكم القادر ونصيب المحكوم العاجز، ونصيب الغني ونصيب الفقير .......... إلخ، ولذلك كانت تلك التذكرة من باب: شيء، وإن كان صغيرا، أحسن من لا شيء، ولو في مقام الاعتذار إلى الرب، جل وعلا، ببذل السبب الممكن وإن كان أثره ضعيفا، فإن الرب، جل وعلا، شكور، يشكر القليل فينميه، وقد أرسلت بعض الدول جملة من تبرعات أهلها التي تدخل بـ: "القطارة" من المعبر الرسمي المغلق في معظم الأوقات، وأرسلت بعض الهيئات في مصر مساعدات، والمسموح به رسميا على حد علمي كما أخبرني بعض الفضلاء المعنيين بهذا الشأن: المساعدات الطبية فقط من تجهيزات ومستلزمات وسيارات إسعاف وأدوية ...... إلخ، وهي، كما تقدم، لا تفي إلا بقدر ضئيل من احتياجات القطاع، ولكن الأمر، كما تقدم، شيء يقدم ولو ضئيلا لعل الله، عز وجل، يبارك فيه وينميه فينفع به ويأجر من ساهم في تجهيزه، والأفضل، بالنسبة لأهل مصر، أن يذهب كل إنسان بنفسه إلى مقر قريب من مقرات نقابة الأطباء فلها فروع متعددة في محافظات مصر، ليتحرى ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن غلب على ظنه جدية الأمر، فليبادر، وإن اجتهد فترجح عنده خلاف ذلك، أو وجد ما هو أولى، فكل امرئ يتعبد بما أداه إليه اجتهاده، ولا يحسن التبرع الجماعي في هذه الآونة للضغوط الأمنية المعروفة، لئلا يظن بمن تطوع لذلك أنه يعد شحنة من السلاح لتهريبها عبر الأنفاق، فأسلم شيء هو التبرع الفردي إن أمكن، ودلالة من أراد التبرع ليتبرع بنفسه، وهذا أمر واقع لن يجدي التبرم منه شيئا، فالأفضل أن يعمل الإنسان قدر استطاعته بما توافر له من إمكانيات ولو كانت ضئيلة.

وإلى الله المشتكى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير