تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فكيف لمؤمنٍ يريد أن يكون قويَّاً في دين الله عزَّ وجل، حاملاً همَّ تبليغه وتبيينه للناس، إذا فتَّشت عن قراءته -فضلاً عن مذاكرته- لكتاب الله عزَّ وجل وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم وجدتها تبلغ من الضَّعف قدْراً كبيراً.، لما أمر الله بني إسرائيل بأخذ ما آتاهم من التوراة بقوَّة أشار سبحانه إلى ما يُعينهم على هذا الأمر فقال تعالى (خذوا ما آتيناكم بقوَّة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) (البقرة: 63) أي: خذوا التوراة بقوَّة واتلوها وادرسوها واعملوا بما فيها لتكونوا من أهل التقوى (6)، فكذلك كل من أراد القوَّة في دين الله عز وجل عليه أن يكون حريصاً على ذِكْر ما وَرَد في الكتاب والسنة، وعلى العمل بموجبه؛ ليَقْوَى في دينه، وليوصله بعد ذلك بإذن الله إلى العلَّة المذكورة في الآية (لعلكم تتقون). وعندما وَصَف الله عزَّ وجل نبيَّه داود عليه السلام بكونه قويَّا في دين الله أخبر سبحانه عن طَرَف من مظاهر هذه القوَّة وأسبابها فقال تعالى (ولقد آتينا داود وسليمان علما) (النمل: 15)، وقال (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) (الأنبياء:79).

الأساس الخامس: عدم الانسياق لرغبات النفس وشهواتها ..

إنِّ المؤمن إذا اشتغل قلبه بالدُّنيا، وتعلَّقت نفسه بشهواتها، صَعُب عليه التقوِّي في دين الله تعالى، والاجتهاد في طاعته، ولذلك لما وَصَف الله عزَّ وجل نبيَّه يحيى عليه السلام -المأمور بالقوة في الدِّين- وَصَفَه مُثنياً عليه بأنه يَحصُر نفسه ويحبسها عن الشهوات والملذَّات المباحة فضلاً عن المحرَّمة، فقال تعالى مخاطباً زكريا عليه السلام (أنَّ الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمةٍ من الله وسيَّداً وحصوراً ونبياً من الصالحين) (آل عمران:39). (7)

الأساس السادس: الارتباط بالصالحين والتقوِّي بهم ..

إنَّ على القويِّ في دين الله عزَّ وجل أن يكون على ارتباطٍ وثيقٍ، واتصالٍ متينٍ، بإخوانه الصالحين المصلحين؛ ليشدُّوا من عزمه، وليصدِّقوه في دعوته، وليزداد بهم رسوخاً وثباتاً على أمره .. ، ولذلك سأل موسى عليه السلام– وهو المأمور بالقوَّة في الدين- ربَّه سبحانه وتعالى أن يُرسل معه أخاه هارون عليه السلام ليزداد به قوَّةً على قوَّته، فقال تعالى- على لسان موسى-: (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءاً يصدِّقني إني أخاف أن يكذبون (34) قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون (35)) (سور القصص).

هذه سته أسس .. أَحْسبُ أنها كفيلة بإذن الله تعالى في أنْ تُحيي فينا معاني القوَّة في الدِّين أخذاً ومدافعة، وتصنع لنا جيلاً يتربَّى على مثل هذا الأمر .. والشواهد على هذه الأسس كثيرة مستفيضة، ولكنِّي رغبت الاقتصار على الاستشهاد بالآيات الواردة في القوَّة والمتعلِّقة بها؛ ليظهر لنا مدى الاتصال بين هذه الأسس وموضوع القوَّة في الدِّين. ولك أن تتأمل معي ما وَرَد في هذه الآية العظيمة وتُقارن بين المأمور به، وشدَّة العقاب المترتِّب على عدم الامتثال .. يقول الله عز وجل -عن بني إسرائيل-: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلَّة وظنُّوا أنَّه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوَّة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) (الأعراف:171) .. قال قتادة رحمه الله في تفسير هذه الآية: "جبل نزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم، فقال: لتأخذُنّ أمري، أو لأرمينَّكم به .. ! "، وقال الحسن البصري رحمه الله: " لما نظروا إلى الجبل خرَّ كلُّ رجل ساجدًا على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليُمْنَى إلى الجبلِ، فَرَقًا من أن يَسْقُط عليه" (8).

وختاماً .. إنَّ على القويِّ في دين الله عزَّ وجل أن يتحمَّل كل التَّبِعات التي قد تنشأ من أخذه للدِّين بقوَّة .. فمن طبيعة هذا الدِّين أن المستمسك به يلاقي ما لا يلاقيه غيره من الضعفاء المتنازلين .. وذلك من حكمة الله عزَّ وجل، وهي فتنة يمحِّص الله عزَّ وجل بها عباده وأولياءه .. والله تعالى قادرٌ على نَصْر دينه وإعزاز كلمته دون أدنى جُهْد من البشر، ولكنَّ الأمر وُكِل إليهم للابتلاء والتمحيص، قال الله تعالى: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) (محمد:4).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير