تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعتبر صلاح الإنسان شرطا لصلاح الحياة والكون، وتحقيقا للاستخلاف الذي من أجله سيد الله تعالى الإنسان وكرمه، وحمله مسؤولية عمارة الأرض؛ ولا صلاح لهذا الإنسان إلا بتربية صالحة وتنشئة سليمة، تحفظ فطرته، وترفعه إلى مستوى التكريم، يتلقاها في حضن الأسرة ودفئها.

من هنا حدد الإسلام للزواج ضوابط وشروطا، تقوم على الصلاح والخلق في اختيار الزوجين، فرغب في اختيار ذات الدين، مثلما رغب في اختيار من يرضى دينه وخلقه، تجنبا لفتنة وفساد كبيرين في المجتمع.

ومعلوم أن تفاهم الأبوين -مهما كانت مداركهما ومعارفهما في مجال التربية متواضعة- يساعد على تربية الأبناء وتنشئتهم بشكل سليم.

فطرة تصان:

يقول الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين: "النفس الجديدة التي أبرزها الله عز وجل إلى الوجود عند الميلاد يشرع أن يؤذن لها في الأذن اليمنى وأن يقام في اليسرى. ذلك ليكون أول ما تسمعه الفطرة الكامنة عند خروجها للدنيا، التذكير بعهد الله وميثاقه أنه عز وجل ربنا. اللطيفة الدفينة في جسم الوليد تسمع جلال الله عز وجل ووحدانيته، وخبر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ودعوة الصلاة والفلاح، وكبرياء من له الكبرياء سبحانه.

كما شرع تلقين الميت من المؤمنين والمسلمين الكلمة الطيبة وشهادة الحق لتتردد الشهادة في كيان النفس الغاربة عن الدنيا وقت سفرها، عسى أن يختم لها بالفطرة.

والفطرة إقامة الوجه لله، وتستوي الفطرة أو تعوج وتحيد عن الجادة بالتربية. روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من مولود إلا يولد على الفطرة". ثم يقول:"اقرؤوا إن شئتم:"فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم".زاد البخاري:"فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

... هذه النفوس الطرية لا يتركها الإسلام لهوس السؤال:"من أنا، ومن أين جئت، وإلى أين، وما معنى وجودي؟ ". بل تحتضنها الفطرة، وهي إقامة الوجه لله، إذا كان المجتمع مؤمنا بالله، وتصونها من عوامل الشيطنة والفساد. تلقن النفوس الطرية، تخبر لتسمع، تؤمر لتنفذ، تعرض عليها النماذج الصالحة لتتعلق وتتخلق، قبل أن يتشكل العقل المنطقي المتعلق بحواسه السابح في ظلماته الكونية ... " (الإحسان، الجزء: ص:81،80).

التربية سمو وكمال:

التربية في اللغة نمو وزيادة، وفي الاصطلاح تعني السمو بالنفس نحو الكمال البشري الذي أودع الحق سبحانه متطلباته في الإنسان. والتربية اكتشاف لمؤهلات الإنسان وتنمية خصال الخير فيه وتوجيهها لبناء شخصية سوية جسما ونفسا وروحا وفكرا. ومتى فشلت العملية التربوية أو زاغت فسد الإنسان وزاغ بسلوكه العام عن الجادة.

من هنا تظهر مسؤولية الآباء في تربية الأبناء، إعدادا للأجيال الصالحة التي بها يصلح حال الأمة وحال البشرية جمعاء.

قواعد عامة:

التربية فن يقوم على قواعد كثيرة، نذكر بعضها أو أهمها، مع التذكير إلى خصوصية النفس البشرية التي تتميز بالتنوع، فما ينجح في حالة، قد لا يعطي نفس النتيجة في حالات أخرى، وقد لا يكون الخلل في القواعد بقدر ما يكون أحيانا في ترتيبها أو توقيتها أو حجم التعاطي معها من حيث الكم، لهذا تتأسس التربية على الحكمة وسعة الصدر والاعتدال في كل شيء: حب دون دلع، ولين دون قسوة، وحزم دون تسلط، وحرية دون تسيب.

ومن أهم القواعد التي يستعان بها في تربية الأبناء ما يلي:

1. الدعاء والتضرع لله تعالى:

يداوم الأبوان على الدعاء بأن يصلح سبحانه الأبناء وينبتهم النبات الحسن، وهذا هو حال الأنبياء والمرسلين والصالحين كما يحكي ذلك القرآن الكريم، قال تعالى على لسان امرأة عمران:"وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" (آل عمران:36)،وقال تعالى على لسان سيدنا زكرياء عليه السلام:"هنالك دعا زكرياء ربه، قال: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة، إنك سميع الدعاء" (آل عمران:38)،وقال على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام:"رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء" (إبراهيم:42)، وعلى لسان عباد الرحمن يقول سبحانه:"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" (الفرقان:74) وعلى لسان كل مؤمن معترف بأنعم الله عليه، يقول جل جلاله:"رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي، إني تبت إليك،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير