تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ثنائيات من كلام أبي العباس]

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 02 - 2007, 09:47 ص]ـ

بسم الله

السلام عليكم

هذه بعض الثنائيات اللطيفة جمعتها من كلام شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، رحمه الله، وأولها وأجلها:

ثنائية أصلي دين الإسلام:

وهي ثنائية: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، و: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي).

وقد أشار إلى هذه الثنائية أبو العباس، رحمه الله، في عدة مواضع منها، على سبيل المثال، قوله في "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة":

ودين الإسلام مبني على أصلين وهما:

تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، (أي: الإخلاص)، وأول ذلك أن لا تجعل مع الله إلها آخر، فلا تحب مخلوقا كما تحب الله، ولا ترجوه كما ترجو الله، ولا تخشاه كما تخشى الله، ومن سوى بين المخلوق والخالق في شيء من ذلك فقد عدل بالله، (أي: ساوى به غيره)، وهو من الذين بربهم يعدلون ........................

والأصل الثاني: أن نعبده بما شرع على ألسنة رسله، (أي: المتابعة)، لا نعبده إلا بواجب، أو مستحب، والمباح إذا قصد به الطاعة دخل في ذلك. اهـ

بتصرف يسير، ص166، 167.

فالمباح في حد ذاته لا ثواب في فعله ولا عقاب، ولكنه بالأصل الأول، قد يصير طاعة يثاب عليها العبد، كمن نوى بالطعام والشراب والنوم والاستجمام وسائر المباحات التقوي على الطاعة، أو نوى بالنكاح الاستعفاف، فهو مع تمتعه بهذه المباحات مثاب من جهة نيته الصالحة، وهذا باب واسع من التجارات مع رب البريات لا يحسنه إلا المصطفون الأخيار.

وعلى العكس، قد يصير المباح معصية يعاقب فاعلها، إذا نوى بها التقوي على معصية، كمن يستعين بالغذاء والنوم على ظلم الناس بسفك دمائهم واغتصاب حقوقهم، فإنه لا بد له من طعام وشراب وراحة بدن، ولكنه لا يرتاح إلا ليعاود الإفساد في الأرض، وليته تلهى بالمباح عن ظلم الناس، بل ليته تلهى بالحرام الذي لا يتعدى ضرره إلى غيره، ولذا كان ابن تيمية ينهى عن الاحتساب على جند المغول الذين ذهبت عقولهم بتناول المسكر، مع كونه محرما يجب الاحتساب على فاعله باليد أو اللسان، لمن له القدرة، لعلمه بأن تلهيهم بالخمر عن ظلم الناس وسفك دمائهم دفع لمفسدة عظمى بمفسدة صغرى، وهذا غاية الفقه في الدين، فليس الفقيه من يعرف الخير من الشر، وإنما الفقيه من يعرف أعظم الشرين فيدفعه بأحقرهما.

وقد قيل: "نوم الظالم عبادة" لأنه يمنعه من ظلم الناس.

وقد يصير المباح محرما، وإن لم ينو به شرا، إذا تلهى به عن فعل الواجب، أو أقعده تعاطيه عن فعل المأمور، كمن أسرف في المطعوم والمشروب حتى ثقل بدنه فنام عن صلاة، أو تأذى به بدنه فمرض، بل ربما مات، كما حكي عن الخليفة المعتمد العباسي، الذي أسرف ليلة في طعام وشراب يشتهيه، فذهبت نفسه، وكما حكي عن أمير عباسي متأخر، لا يحضرني اسمه، أنه أسرف في شهوة النكاح حتى هلك!!!!، والله أعلم بحقيقة هذه الوقائع وإن كانت غير مستبعدة.

ويقول أبو العباس، رحمه الله، في موضع آخر من نفس القاعدة:

وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان:

أحدهما: أن لا نعبد إلا الله، (وهذا هو: الإخلاص).

والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة، (وهذه هي: المتابعة). اهـ

فمن تعبد الله بما لم يشرع، فقد ابتدع في دين الله ما لم يشرعه، كمن تعبد بترك المباحات من طعام أو شراب أو نكاح، أو تعبد بلبس الصوف، أو تعبد بترك الاغتسال، أو تعبد بمباشرة النجاسات والعيش في المزابل بين النفايات، أو تعبد بالسير في الفلوات، أو تعبد بالنياحة ولطم الخدود وشق الجيوب، ................. إلخ من صور الابتداع في دين الله، عز وجل، التي ما أنزل بها من سلطان.

ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في الدين وأنكر على من ترك النوم والزواج وصام الدهر، كما في حديث الثلاثة الذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم.

ويواصل فيقول:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير