تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن أقسام اللذات]

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 03 - 2007, 10:54 ص]ـ

نقل أبو العباس ابن تيمية، رحمه الله، في "النبوات" عن المتفلسفة تقسيمهم اللذات إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: اللذة الحسية، ورأسها لذتا: الوقاع والطعام، وإليهما أشار الفخر الرازي، رحمه الله، بقوله: "ثم إن لذات الدنيا زائلة خسيسة، وأعظم لذاتها الوقاع والطعام، وقد يحتقرهما الإنسان إذا تفكر فيهما". اهـ

والصنف الثاني: اللذة الوهمية، ورأسها: لذة الجاه عند البشر، إذ يجد المعظم في نفسه لذة، أي لذة، في تعظيم أتباعه له، ويعرف ذلك كل رئيس يعظمه أتباعه ولو نفاقا وتملقا، كما هو الغالب على أي ولاية في عصرنا الحاضر من ولاية السلطان إلى أدنى ولاية في أصغر دائرة حكومية، يتملق فيها الموظفون رئيسهم للحصول على إجازة أو إذن انصراف مبكر أو ............. إلخ من التجاوزات التي لا تخفى على أحد، وتصل شهوة التعظيم في نفس الرئيس إلى أن يطلبها ممن هو دونه، ولو كان يعلم زيفها، فالمهم عنده أن يتعاطى هذا "المخدر المعنوي" ولو كان في تعاطيه فساد قلبه واعتلال روحه.

وآخرون يجدون هذه اللذة في "زوجة عروب" تحسن التبعل لزوجها، فيحصل له من اللذة والنشوة، ما يعرفه كل من ابتلي بامرأة تسيء عشرته، فلا يرى منها حسنا، ولا يسمع منها طيبا، والنكاح رزق، كالمال، سواء بسواء، فمن وسع الله عليه فليشكر، ومن قدر عليه فليصبر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

والصنف الثالث: اللذة العلمية، وهي أعلاها وأشرفها، وشرف العلم بشرف المعلوم، ولذا كان علماء الملة الربانيين، أوفر الناس نصيبا من هذه اللذة، إذ أفنوا الأيام والليالي في التعرف على بارئهم، عز وجل، فحصل لهم من كمال القوة العلمية ما لم يحصل لغيرهم.

وإلى ذلك يشير أبو العباس، رحمه الله، بقوله:

" .............. إن العلم بحسب المعلوم فإذا كان المعلوم محبوبا تكمل النفس بحبه كان العلم به كذلك وإن كان مكروها كان العلم به لحذره ودفع ضرره كالعلم بما يضر الإنسان من شياطين الإنس والجن فلم يكن المقصود نفس العلم بل المعلوم ولهذا قد يقولون، يقصد: الفلاسفة، سعادتها في العلم بالأمور الباقية وأنها تبقى ببقاء معلومها ثم يظنون أن الفلك والعقول والنفوس أمور باقية وأن بمعرفة هذه تحصل سعادة النفس!!!!! ".

بتصرف يسير من النبوات، (1/ 270).

ويقول عنهم في موضع تال:

"وهؤلاء المتفلسفة إنما يعظمون تجريد النفس عن الهيولي وهي المادة وهي البدن وهو الزهد في أغراض البدن وهو الزهد في الدنيا وهذا ليس فيه إلا تجريد النفس عن الاشتغال بهذا فتبقى النفس فارغة فيلقي إليها الشيطان ما يلقيه ويوهمه أن ذلك من علوم المكاشفات والحقائق وغايته وجود مطلق هو في الأذهان لا في الأعيان".

فالفلاسفة كعادتهم، جردوا أصولهم، حتى خرجوا بها عن الواقع إلى معان خيالية لا توجد إلا في أذهانهم، فاهتموا برياضات النفوس، على حساب الاعتقاد الصحيح المتلقى عن الوحي المعصوم، الذي هو، عند التحقيق، أفضل وسائل التزكية، إذ به يعرف المخلوق مراد خالقه، فيعبده على ما أراده منه لا على ما يهوى كل صاحب نحلة.

وقد سار بعض علماء الأخلاق في الإسلام على درب الفلاسفة، كأبي حامد، رحمه الله، الذي اعتنى بالزهد اعتناء فاق اعتناءه بالتوحيد، فالتلاقح الفكري بين المذاهب الفلسفية التجريدية المتقدمة والمذاهب الصوفية المتأخرة بارز في كتب ومناهج متأخري الصوفية، لاسيما من تلبس بهم ببدعة الحلول والاتحاد، سلمنا الله من فساد أقوالهم وإراداتهم.

وما في الدنيا من هذه اللذات، فإنما هو الصورة لا الأصل، فلذاتها ممزوجة بألم قبل المباشرة، وجهد عندها، وثقل بدن وغلظ روح بعدها، فلا يأكل الإنسان إلا بعد أن يجد ألم الجوع، فيصرف الوقت والجهد في شراء وإعداد طعامه، فيكون بمثابة الخادم المطيع لمعدته، فإذا ما قضى نهمته ثقل بدنه، وغلظت روحه، وتبلد ذهنه، فخر ساقطا بلا حراك، حتى إشعار آخر.

وإلى هذه المعاناة أشار، روحاني الإسلام، ابن القيم، رحمه الله، بقوله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير