تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وسادت الفوضى فانسحب موسى من المجلس, وانفضّ الناس وهم يتندّرون بالبقرة التي يريد نبي الله ذبحها. أما المؤمنون الأتقياء فقد طلبوا من الناس أن يكفوا عن السخرية والشغب وقالوا لهم: ان نبي الله موسى لم يقل شيئا من عنده, بل هو كلام الله الذي كلمه به, فهو يقول لكم: {ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فكيف يكون هذا مزاحا؟ عليكم أن تتلقوا أمر الله بالطاعة والتسليم لا بالسخرية والشغب والتندر والمعصية. وفي اليوم التالي جاء موسى عليه السلام الى مجلس القضاء وجلس بين المؤمنين الأتقياء, وتقدّمت اليه عشيرة القتيل وقالوا له: يا نبي الله أتتخذنا هزوا؟!!! قال موسى: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. وهنا وقف شيخ كبير صالح وقال: يا بني اسرائيل لقد رضيت عشيرة القتيل, وعرفت أن نبي الله لا يتخذها هزوا وخصوصا أن القتيل كان من صالحي خلصائه وأصحابه. وبعد نقاش وحوار حول من يدفع ثمن البقرة قال أحد الشيوخ العقلاء: أرى أن يشترك في ثمن البقرة كل رجال بني اسرائيل, فالقتيل قتيلنا جميعا, وسلام الشعب لا يهم طائفة دون طائفة بل يهم الجميع. سكت الناس ورضوا بهذا الحكم, ونظر الجميع الى نبي الله موسى. فقال موسى: اذن فاجمعوا المال واشتروا البقرة واذبحوها طاعة لأمر ربكم. وتلكأ القوم وقالوا: أي بقرة نذبح؟ ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي. وصمت موسى وأصغى لنداء الله في قلبه ثم قال لهم: {انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون} 0وسألوا وجادلوا عن لونها, وقالوا: لا بد أن نعرف لونها. فتوجه موسى الى الله يسأله فسمع الاجابة في صدره بأنها: {بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين} .. ولكن القوم جادلوا وأكثروا الجدال وقالوا لموسى: {ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي ان البقر تشابه علينا و إنا ان شاء الله لمهتدون} 0وظل بنو اسرائيل في شكهم فمنهم من يؤيّد ومنهم من يستنكر حتى أنهم قضوا عدّة أيّام يتجادلون, ثم ذهب صلحاء القوم وعقلاؤهم الى موسى يقولون له: انك مطالب بالفصل في قضيّة دم القتيل شمعون فلا يشغلك عناد قومك عن هذه القضيّة فاسأل ربك عما يريدون. فسأل موسى ربه, ثم اجتمع القوم ليسمعوا الاجابة: {قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها, قالوا الآن جئت بالحق, فذبحوها وما كادوا يفعلون} 0أي أن هذه البقرة معفاة من الخدمة فهي غير مذللة لحرث الأرض أو سقيها, وليس في جسمها بقعة أو علامة من لون يخالف لون جسمها الأصفر الصافي الفاقع. اقتنع القوم وقالوا: {الآن جئت بالحق}. وأخذوا يبحثون عن بقرة: لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك صفراء فاقع لونها, تسر الناظرين لا ذلول, تثير الأرض, ولا تسقي الحرث, لا شية فيها, فلم يعثروا عليها عند أحد من أهل القرى التي حولهم. كانوا اذا وجدوا بقرة صفراء ردّوها لأن فيها شيئا من لون يخالف لونها الأصفر, فاذا وجدوها صفراء خالصة ردوها لأنها بكر أو فارض وليست عوانا بين ذلك, وهكذا دقق بنو اسرائيل في البحث عن البقرة التي تتكامل فيها الأوصاف المطلوبة, وقسموا أنفسهم مجموعات وفرق للبحث عن البقرة المطلوبة في أنحاء شبه جزيرة سيناء الواسعة, وانتشروا في الشمال والجنوب.

4. بقرة الياب الصفراء: بلغ الياب الثامنة عشرة من عمره وأصبح فتى يافعا وجاءت أمه لتقول له: يا بنيّ لقد كبرت وبلغت سن الثامنة عشرة وصار لزاما على أن أدلك على الكنز الذي تركه لك أبوك. دهش الياب وقال لأمه: كنز؟! ان أبي كان فقيرا فكيف يترك لي كنزا؟ قالت الأم راحيل: لقد ترك لك عجلة صغيرة منذ تسع سنوات وأوصى أن اتركها في أرض الله لا أذللها بحرث أو سقي ولا أتعدها بحراسة فهي في حراسة الله. وقال: اذا كبر الياب فادفعيها اليه. فقال الياب لأمه: وفي أي مكان تركها؟ قالت راحيل: لا أدري ولكنه قال: انها في الغيضة الواسعة المجاورة لنا, فاذهب اليها وابحث عنها وسوف لا يطول بحثك لأن الله سيقبل بها عليك. فقال الياب: ولكن ما لونها أو علامتها التي أعرفها بها؟ قالت راحيل: انها صفراء فاقع لونها تسر الناظرين كأن شعاع الشمس ينبعث من جلدها, ليس فيها لون آخر غير هذا اللون الأصفر حتى ولا لون قرنيها وأظلافها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير