تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أن يأخذنا أسرى مقيّدين. ذهب رسول بلقيس الى سليمان وقدّم بين يديه صندوقا مملوءا بالذهب والأحجار الكريمة. قال سليمان: من أين هذا؟ قال: هدية من ملكتنا "بلقيس" الى الملك سليمان. قال سليمان: {أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون} 0 {ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجهم منها أذلة وهم صاغرون} 0 عاد الرسول الى بلقيس, وأخبرها بما سمع, فأمرت قومها أن يحملوا راية بيضاء, وخرجت بهم الى سليمان u في موكب عظيم, ولكن سليمان سيستبق وصول هذا الموكب بمعجزة تدهش لها بلقيس, ترى ما هذه المعجزة, وماذا ستكون؟ علم الهدهد من خلال طيرانه ورحلاته أن بلقيس خرجت, فعاد الى سليمان وأخبره بخروجها, فأمر الجن أن يعدوا لها بنيانا تنزل فيه, فبنوا صرحا من قوارير خضر, وجعلوا له طوابق من قوارير بيض, فصار كأنه الماء, وجعلوا تحت الطوابق صور دواب البحر من السمك وغيره, فأصبح الذي ينظر الى أرضه الزجاجية يظن أنها بحيرة بمائه وأسماكها. ولما ظهر ركب " بلقيس" في الأفق البعيد, جمع سليمان أهل الرأي من الإنس والجان, وقال لهم:

{أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}. فوقف عفريت من الجن وقال: {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} أي قبل أن تنتهي من مجلسك. قال سليمان: {سوف لا ينتهي مجلسي قبل حضورها. قال وزيره "آصف" وكان رجلا عنده علم من الله U:{ أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك}. رفع u نظره الى السماء, وسجد "آصف" ودعا ربه سبحانه وتعالى, فاذا العرش أمامهم, فلما نظر سليمان الى الأرض, ورأى العرش سرّ سرورا كثيرا, وأمر بوضعه أمامه مقلوبا. أقبلت "بلقيس" فرأت عرشها مقلوبا أمام سليمان, وعجبت كثيرا لأنها تركته بقصرها في حراسة شديدة, ثم نظرت الى قومها فوجدتهم جميعا في ذهول. قال سليمان: أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو, ولقد أتيتك بقومي مسلمين. قال سليمان: الآن أنت وقومك, في أمان, وستظلين ملكة قومك تصرّفين أمورهم, وتحكمينهم بما أمر الله. طلبت "بلقيس" السماح لها بالعودة الى قومها لتبشرهم بالدين الجديد, فعرض عليها سليمان أن تستريح من عناء السفر قبل العودة فقبلت دعوته, وخرجت لتغير ملابسها في خيمتها, وذهب سليمان الى الصرح فجلس على كرسي وانتظر قدومها. أقبلت "بلقيس" في زينتها الى مدخل الصرح, ووجدت سليمان في نهاية البهو يرحب بمقدمها, فلما نظرت الى أرضه حسبتها حوضا مملوءا بالماء, وخشيت أن تبتل ملابسها, فكشفت عن ساقيها لتخوض الماء. قال سليمان: {انه صرح ممرّد} من قوارير زجاجية. فخجلت من جهلها, وأقرّت لسليمان بالنبوّة, ولربه بالعظمة والقوّة, وقالت في حماسة ويقين: ربّ, إني ظلمت نفسي بعبادة الشمس, وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين. ورجعت الى قومها مؤمنة, وصارت ترسل الجزية في كل عام الى سليمان. قضى سليمان سنواته الباقية من حياته يقود رعيته بالعدل, ويتقرّب الى ربه بالعبادة, وقد اختار لعبادته مكانا ببيت المقدس, لا يجرؤ أحد على الدنو منه ما دام هو قائم يصلي في المحراب. فلما علم أنه حان حينه, وانتهى أجله, توكأ على عصاه, وخرج الى المسجد الأقصى, فدخل المحراب, واتجه الى الله مرتكزا على عصاه, فقبضه ملك الموت, وظل جثمانه واقفا تسنده العصا أياما, والناس والجن لا يدرون بموته, ولا يجرءون على الاقتراب منه في محرابه, حتى تآكلت العصا, لقد أكلتها حشرة الأرض, فانكسرت العصا, ووقع الجثمان على الأرض فشاع الخبر, وشيّعته بنو اسرائيل الى مثواه, وعادوا من قبره يرددون: سبحانك اللهم! تؤتي الملك من تشاء, وتنزع الملك ممن تشاء. هكذا كانت معجزات سليمان عليه السلام فهو يكلم النمل والطير والحيوان, ويسخر الرياح والجن بأمر ربه, وعندما يموت يكون موته هكذا, إنها معجزات عظيمة

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير