تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"إن هاتين اللذتين اللتين هما آثر اللذات عند الناس ولا سبيل الى نيلهما الا بما يقترن بهما قبلهما وبعدهما من مباشرة القاذورات والتألم الحاصل عقبيهما مثل لذة الأكل فإن العاقل لو نظر الى طعامه حال مخالطته ريقه وعجنه به لنفرت نفسه منه ولو سقت تلك اللقمة من فيه لنفر طبعه من إعادتها إليه ثم إن لذته به إنما تحصل في مجرى نحو الأربع الأصابع فإذا فصل عن ذلك المجرى زال تلذذه به فإذا استقر في معدته وخالطه الشراب وما في المعدة من الأجزاء الفضلية فإنه حينئذ يصير في غاية الخسة فإن زاد على مقدار الحاجة أورث الأدواء المختلفة على تنوعها ولولا أن بقاءه موقوف على تناوله لكان تركه والحالة هذه أليق به كما قال بعضهم:

لولا قضاءه جرى نزهت أنملتي ******* عن أن تلم بمأكول ومشروب

وأما لذة الوقاع فقدرها أبين من أن نذكر آفاته ويدل عليه أن أعضاء هذه اللذة هي عورة الإنسان التي يستحيا من رؤيتها وذكرها وسترها أمر فطر الله عليه عباده ولا تتم لذة المواقعة إلا بالاطلاع عليها وإبرازها والتلطخ بالرطوبات المستقذرة المتولدة منها ثم إن تمامها إنما يحصل بانفصال النطفة وهي اللذة المقصودة من الوقاع وزمنها يشبه الآن الذي لا ينقسم فصعوبة تلك المزاولة والمحاولة والمطاولة والمراوضة والتعب لأجل لذة لحظة كمد الطرف فأي مقايسة بين هذه اللذة وبين التعب في طريق تحصيلها"

بتصرف يسير من "مفتاح دار السعادة"، (1/ 134).

وأما اللذة العلمية:

فالمعلوم الدنيوي، مهما شرف، لا يعادل المعلوم الديني، وأشرف علوم الدنيا، علم الطب، الذي يتعلق بذات الإنسان، وهو عند التحقيق لا ينهض لمعارضة علم التوحيد الذي يتعلق بذات الخالق، عز وجل، إذ بينهما من الفرق ما بين ذات الله، عز وجل، الكاملة الباقية، وذات المخلوق الناقصة الفانية.

فتبين بذلك أن اشرف لذات الدنيا: لذة العلم بالله عز وجل، ولا تكمل هذه اللذة إلا بعمل يصدق العلم.

وإذا ما دخل أهل الجنة الجنة، حصل لهم من كمال هذه اللذات ما لا يدرك العقل البشري كيفه، وإن أدرك معناه، فطعامهم ونكاحهم، كما قد علم، وأما معلومهم، فهو الزيادة التي وعدهم الله، عز وجل، بها في قوله: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، ولا لذة تعادل هذه اللذة، التي أنكرها المتكلمون نفاة الرؤية، فيا بؤسا لقوم حرموا أنفسهم من لذة شهود مقامات الجمال والجلال في أسماء الله، عز وجل، وصفاته، فخاضوا بحار التأويل والتحريف، فنجا من نجا وهلك من هلك عن بينة.

ولسان حال حادي الإيمان في نفس كل مؤمن:

حي على دار فيها كمال اللذات وعظيم الهبات من رب البريات، وما هي إلا أيام وساعات، وتنتهي الرحلة، ويحط المسافر رحله في دار المقامة، ومن صبر قليلا نال كثيرا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[03 - 03 - 2007, 11:18 ص]ـ

اللهم اجعلنا ممن يحبون لذة العلم بك

جزاك الله الف خير أخي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير