تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دخلنا على والدتي و إخوتي كلهم مجتمعون لنلقي لهم ما نحمل من حزن. كانت والدتي في زاوية الغرفة جالسة، أمامها عدد من المناديل تمسح بها دموعها من هول خبر الحادث، و كيف أن ابنها الغالي أُصيب، و هو في غيبوبة! كل واحد من إخوتي كان يضع يديه على خديه ينتظر منا الخبر اليقين .. كيف الحادث؟ متى؟ كيف أُصيب؟ أسئلة كثيرة تجول بخاطرهم. شرعنا في الحديث لأمي، مذكرينها بأهمية الصبر، و أنه لن يكون لنا إلا قضاء الله و قدره. قلنا لها: لقد أُصيب (ليث) في حادث في الجنادرية، و مات –الله يعظّم أجرك-. نصف ثانية من الصمت المطبق في الغرفة التي ذُهل فيها الجميع!! انحدرت بعدها أدمع الجميع و أولهم أمي المكلومة .. مكلومة بولدها و زوجها المسجون، والآن و لدها المتوفى في حادث سير عنيف. أي قلبٍ تحملين يا أماه و أي صبر تطيقين؟!

التمّ الجميع حول الوالدة لتصبيرها، وتذكيرها بعِظم الأجر بعد أن بكت قليلاً لم تتجاوز فيه بضع دقائق دون نياح أو صراخ. و كان مما قالت وأثّر في نفسي كثيرًا: مات الغالي!!

لقد كان لليث عندها مكانة خاصة مع جرأته و شدّته رحمه الله و عفى عنه و غفر له و رحمه. بقيت أردّد عليها بعض ما يسلّيها من عِظم مصيبة الأمة بفقد محمد (صلى الله عليه و سلم). و أنها قد صبرت على مصائب عدة، و هذه واحدة منها، مذكِّرًا إياها بعِظم أجر الصبر. كنا نتناوب الحديث معها أنا و أخي (مبارك) و أختي الكبرى، ونتناوب البكاء أحيانًا. نعم، فالمصاب جلل! لم أعش في عمري لحظة فقدٍ لشقيق، و لم أكن أعتقد أن فقده سيكون مُحزنًا، و مُبكيًا، و مؤلمًا بمثل هذا المستوى. مع اختلافي مع (ليث) أحيانًا، و لكني أعرف صدقه، و محبته، و اعتزازه بي .. رحمه الله رحمة و اسعة، و أسكنه بحبوحة جنانه.

دقائق بسيطة جدًا انتهت فيها –بالنسبة لي- الأزمة الأكبر بعد وفاة أخي، والمتمثلة في نقل الخبر للوالدة، التي تلقّته برضا و صبر؛ فالحمد لله رب العالمين. و جاءت مرحلة نقل الخبر للأقارب و الناس؛ فبدأتها باتصال بعمي (عبد الله) أخبرته فيه، و أوكلت إليه مهمة نقله لبقية الأعمام الذين ما برحت أتلقى اتصالاتهم و توافدهم على المنزل، هم و الأصدقاء، و الأقارب، و بعض المشائخ.

كنت أستشعر عِظم المسؤولية علي؛ فأنا الأكبر في هذه الأسرة؛ إذ يقطن عائلها –والدي حفظه الله- بين جنبات السجن، هو و أحد أشقائي كذلك، و هذا أحدهم يتوفى! فحرصت على أن يشاركني القائد أستاذ الصبر –فرّج الله له-، فسارعنا بإجراء جملة من الاتصالات من هنا و هناك ليشفع أحدهم بحضور والدي و شقيقي (سعد) الصلاة و العزاء.

لقد مرّ بنا الجمعة 2/ 9/1428هـ كأثقل أيام العمر .. فقد حبيب في مقتبل العمر، بيت مكلوم بالسجن للوالد والابن .. و زاد الله كلمنا بفراق حبيبنا (ليث) في حادث سير عنيف؛ لكنها سنة الله و قضاؤه و قدره، فالحمد لله على المصاب.

تطايرت الاتصالات ذهابًا و إيابًا، و تقاطرت رسائل الجوال لتنقل الخبر و تردّ بالعزاء و التسلية .. (توفي شقيقي (الليث) بحادث سير .. الصلاة عصر غد السبت في الراجحي .. عبد الله بن زعير): نص رسالة مرسلة.

استمرت الجهود حثيثة ليحضر الوالد .. اتصالات هنا و هناك .. الديوان الملكي .. وزارة الداخلية، و حتى بيوت بعض الأعيان مع أن اليوم إجازة (يوم الجمعة).

الساعة 2:00 فجر السبت .. يرن هاتف أخي (مبارك)

المتصل: الأمير محمد بن نايف يريد أن يحادثك.

أخي مبارك: أهلا و سهلا.

و بعد السلام، و تقديم سموه للعزاء قال: الآن تذهب لسجن ( .... ) و تأخذ الوالد و أخيك (سعد) ليحضروا الصلاة، و يشاركونكم العزاء.

- شكرًا سمو الأمير ..

- لا أبدا .. هذا واجبنا.

- السلام عليكم.

- و عليكم السلام.

اتصل بي أخي (مبارك) و أبلغني بالمهاتفة بعد أن غفوت نصف ساعة متأثرًا بعد إرهاق يوم طويل. ركب معي السيارة وانطلقنا نحو الأب الحبيب و (سعد) الشقيق. و عاد الهم مرة أخرى .. كيف ننقل الخبر للوالد؟ كيف سيكون أثره عليه؟! هل بلغه النبأ أم نحن من سيبلغه؟ أسئلة كنت أتبادلها و شقيقي (مبارك).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير