تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[إحلال العامية محل العربية الفصحى]

ـ[عبد القادر علي الحمدو]ــــــــ[11 - 10 - 2007, 07:20 م]ـ

[إحلال العامية محل العربية الفصحى]

6. سبتمبر 2007 - 17:10 — فاتح

الدعوة إلى إحلال العامية في محل العربية الفصحى من أدب الناطقين بالضاد وثقافتهم ليست من مخترعات هذا الجيل، بل هي فكرة استعمارية، فكرت فيها عقول إنجليزية، قبل عشرات السنين، وعرضت على هذه الأمة المصرية عرضاً جذاباً ظاهره البراءة وحسن النية والشفقة على ارتقاء المصريين وتقدمهم، ولكن المصريين كانوا أحصف وأعظم ألمعية من أن تهزأ بهم العقول البريطانية هذا الاستهزاء فقابلوا ذلك بما يستحقه.

وحكاية ذلك أن الإنجليز يوم كان احتلالهم في مصر بالغاً أوج قمته من الثبات والتمكن، كان للمصريين مجلة علمية اسمها (الأزهر) يصدرها عالمان كبيران من علمائهم وهما إبراهيم بك مصطفى والدكتور حسن بك رفقي، وبعد أن استمرا فيها خمس سنوات إلى نهاية سنة 1892 نيطت بهما أعمال أوسع من أعمالهما الأولى، ومنها إسناد نظارة مدرسة دار العلوم العليا إلى إبراهيم بك مصطفى بعد أن كان مدرساً للكيمياء في إحدى المدارس العليا، فتخليا عن مجلة (الأزهر) من نهاية سنتها السادسة (يناير 1893) إلى المهندس الإنجليزي الشهير (وليم ويلكوكس) والأستاذ أحمد الأزهري، وكانت فاتحة أعمال ويلكوكس عند انتقال مجلة (الأزهر) إليه أن ألقى محاضرة في نادي الأزبكية (أنجلو إجبشيان كلوب) موضوعها «لِمَ لمْ تُوجد قوة الاختراع لدى المصريين الآن؟» زعم فيها أن قوة الاختراع تأتي من القوة المفكرة ويرثها الإنسان من آبائه، والقوة الخيالية ويرثها من أمهاته ـ والأمهات المصريات جاهلات لا يلدن أبناء مخترعين ـ وتأتي قوة الاختراع من الثبات والإقدام، وأكثر المصريين يضيعون أوقات فراغهم في المقاهي بلعب النرد والضمنة. ثم زعم أن أهم عائق يمنع المصريين من الاختراع هو أنهم يؤلفون ويكتبون باللغة العربية الفصحى، ولو ألفوا وكتبوا بالعامية لصاروا مخترعين! واستدل على ذلك بأن الإنجليز كانوا يؤلفون باللاتينية فلم يكونوا مخترعين فلما اختاروا لغة الفلاحين الإنجليز وكتبوا بها صاروا مخترعين ويرجع ذلك إلى الزمن الذي نبغ فيه شكسبير وبيكون.

ونحب أن نقول الآن بعد 55 سنة من إلقاء هذه الخطبة إن صاحبها من أعظم مهندسي الدنيا في الري والخزانات والتحكم في مجاري الأنهار، وقد رمى بها غرضين بحجر واحد، وأحد الغرضين خدمة الكنيسة، والثاني هدم العربية بكتابة تلك الكتب باللغة العامية.

ولما ألقى خطبته في نادي الأزبكية قبل 55 سنة عرف المصريون أن غرضه الحقيقي من الدعوة إلى إحلال العامية بدل الفصحى حرمانهم من تراث الفصحى في الدين والعلوم والآداب لتسهل على الاحتلال مهمته. وتولت جريدة (المؤيد) ومجلة (الأستاذ) هتك أستار هذه الدعوة بما لا مزيد عليه. وهوجمت خطبة ويلكوكس في مجلة ويلكوكس نفسها (الأزهر) بأقلام المهندس إبراهيم بك مصطفى ناظر مدرسة دار العلوم، وأحمد أفندي سليمان المهندس بالتنظيم، والسيد أفندي الزمزمي.

وإذا قابلنا العربية باللغات الاشتقاقية التي هي أكثر استعمالاً في المعمورة ـ كالإنجليزية والفرنسية ـ نجد أن العربية امتازت بخصائص لا يرتاب أحد معها في أنها أليق اللغات وأكفلها بحاجة العلوم. فمن ذلك سعتها. فعدد كلمات اللغة الفرنسية 25 ألفاً وكلمات اللغة الإنجليزية 100 ألف (على أن معظم هذا العدد اصطلاحات صناعية) أما العربية فعدد (موادها) على قول المطلعين 400 ألف مادة، ومعجم لسان العرب يحتوي على 80 ألف مادة (مادة لا كلمة) ومواد اللغة العربية تتفرع إلى كلمات، فإذا فرضنا أن نصف المواد الواردة في المعجم متصرفة بلغ عدد ما يشتق منها نصف مليون كلمة، وليس في الدنيا لغة اشتقاقية أخرى غنية بكلماتها إلى هذا الحد. وبسبب غنى العربية وسعتها تجد فيها للمعاني الشديدة التقارب كلمات خاصة بكل معنى، مهما كانت درجة الالتقارب، وبذلك لا يكون محل للإلتباس أو الإبهام اللذين هما آفة العلم والأدب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير