تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ انْفَرَدَتْ بِالضَاد؟

ـ[بن باقر]ــــــــ[28 - 10 - 2007, 05:28 م]ـ

الداعي لهذه المشاركة حين رأيت الأخت التي التحقت بالشبكة باسم ابنة الضاد.

أَهْلاً وَ سَهْلاً.

الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِابْنَةِ الضَادِ لَهَا سَبَب، وَهُوَ مَا اشْتُهِرَ مِنْ أَنَّهُ لا يُوجَدُ حَرْفُ الضَادِ فِي لُغَةٍ مِنَ اللُّغَاتِ غَيْرِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّة، وَ قَدْ صَنَعَ هَذَا بَعْضُهُم كَالفَيْرُوزِ َصَاحِبِ القَامُوس، فَلَعَلَّ ابْنَ فَارِسٍ تَعَقَّبَهُ فِي الْجَاسُوسِ فَلْيُنْظَرْ، وَ قَدْ قَالَ أَمِيْرُ الشُعَرَاءِ شَوْقِي:

يَا أَفْصَحَ النَّاطِقِيْنَ الضَادَ قَاطِبَةً ... حَدِيْثُكَ الشَهْدُ عِنْدَ الذَّائِقِ الفَهِمِ

وقَبْلَهُ قَالَ الْمُتَنَبِّي:

وَ بِهِمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّا ... دَ وَ عَوْذُ الجَانِي وَغَوْثُ الطَّرِيدِ

وللبُوْصَيْرِيِّ في هَمْزِيِّتِهِ:

فَارْضَهُ أَفْصَحَ امْرِئٍ نَطَقَ الضَا ... دَ فَقَامَتْ تَغَارُ مِنْهُ الظَاءُ

وَ كَأَنَّ العَالِمَ الأَدَيبَ عَبْدَ السَلامِ بنَ هَارُونَ سَهَا فَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ البَيْتَانِ فَقَالَ فِي كُنَّاشَةِ النَّوَادِرِ (47) – وَ نَسَبَهُ لِلْبُوصَيْرِيِّ -:

وَ بِهِمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّا ... دَ فَقَامَتْ تَغَارُ مِنْهُ الظَاءُ

وَهُو خَلْطٌ بَيْنَ البَيْتَيْنِ فَتَنَبَّهْ.

وَيَقَعُ نَظَرُكَ – كَثِيْرَاً- فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالأَدَبِ عَلَى تَسْمِيَةِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ بِـ"لُغَةِ الضَادِ"، حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لا يُوْجَدُ حَرْفُ الضَادِ إِلا فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ "لُغَةِ القُرْآن"، و فِيْهِ كَبِيْرُ نَظَر، بَلْ هُوَ خَطَأٌ قَدْ تَفَشَّى.

لأنَّ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ لَمْ تَنْفَرِدْ بِحَرفِ الضَاد، لَكِنَّهَا قَلِيْلَةٌ فِي لُغَاتِ العَجَم، وَ لا يَكُثُرُ دَوَرَانُهَا فِي لِسَانِهِم، كَالعَيْنِ، وَ الصَادِ، وَالقَافِ، وَالظَّاءِ، وَ الثَّاءِ. هَذَا مَعْنَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الإمَامُ ابنُ الْجَزَرِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي التَّمْهِيد (62).

أَمَّا الذِي انْفَرَدَتْ بِهِ لُغَةُ العَرَبِ مِنَ الْحُرُوفِ فَهُوَ الظَّاءُ الْمُشَالَةُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ اللُّغَة، كَالعَالِمِ مَكْيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيِّ فِي الرِّعَايَة، وَ الْجَبَلِ الأَشَمِّ الْهَيِّبِ الْخَليلِ بنِ أَحْمَدِ في كتَابِهِ العَيْن.

قَالَ – رَحِمَهُ اللهُ –: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَلْسِنَةِ ظَاءٌ غَيْرَ العَرِبِيَّة".

وَ قَالَ الإمِامُ ابنُ الْجَزَرِيِّ أَيْضَاً: " فَإنَّهَا لِلعَرَبِ خَاصَّةً، انْفَرَدَ بِهَا العَرَبُ دُونَ العَجَمْ، وَ قِيلَ: إنَّ الْحَاءَ أَيْضَاً انْفَرَدَتْ بِهَا العَرَب".

لَكِنِ السُّؤالُ: مَا الذِي جَعَلَ هَذَا الرَّأْيَ يَنْفُذُ إِلَى الكُتُبِ بِهَذِهِ الكَثْرَةِ وَالشُّهْرَة؟

الْجَوَابُ: لا أَعْلَمُ سَبَبَاً وَاضِحَاً فِي ذَلِك، إِلا أَنِّي أَسْتَظْهِرُ أنَّ صُعُوبَةَ النُّطْقِ بِحَرْفِ الضَادِ - لأنَّهُ أَصْعَبُ حُرُوفِ العَرَبِيَّةِ نُطْقَاً كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ الأَدَاءِ وَالتَّجْوِيدِ - هِيَ التِي كَانَ لَهَا العَامِلُ الأَكْبَرُ فِي انْتِشَارِه، وَ نُفُوذِهِ إِلَى الكُتُبِ بِهَذِهِ الشُهْرَةِ. فَإِذَا تَحَدَّثَ العُلَمَاءُ عَنِ الضَادِ ذَكَرُوا الصُّعُوبَةَ فِي مَخْرَجِهِ وَ أَدَاءِهِ كَمَا قَالَ الإمِامُ الدَّانِي:

وَالضَادُ تَنْفَرِدُ عَنْ سِوَاهَا ... لِحَافَةِ اللِّسَانِ مِنْ أَقْصَاهَا

إلى الَّذِي يَلِي مِنَ الأَضْرَاسِ ... وَقَلَّ مَنْ يُحْكِمُهَا فِي النَّاسِ

وقالَ العَالِمُ الْمُتَفَنِّنُ أحمدُ السِيْلِيُّ:

وَالضَادُ مَخْرَجُهُ عَسِيْرٌ جِدَّا ... مِنْ أُوْلِ إِحْدَى الْحَافَتَيْنِ يُبْدَا

مَعْ مَا يَلِي الأضْرَاسَ مُسْتَطِيْلُ ... رِخْوٌ وَ مَنْ يَقْرَأْ كَذَا قَلِيلُ

قَارِئِهُ بِالصِّفَةِ الْمُقَرَّرَهْ ... سُبْحَانَ مَنْ عَسَّرَهُ وَ يَسَّرَهْ

وَ قَالَ ابنُ الْجَزَرِيِّ فِي التَّمْهِيدِ (86): لَيْسَ مِنَ الْحُرُوفِ حَرْفٌ يَعْسُرُ عَلَى اللِّسَانِ غَيْرُهُ. انْتِهَى

ولِلجَاحِظِ فِي بَيَانِهِ كَلامٌ عَنْهُ فَانْظُرْهُ غَيرَ مَأْمُور (1/ 62).

زِدْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ حَدِيْثَاً لا أَصْلَ لَهُ يُرْوَى فِي ذَلِكَ، وَ هُوَ (أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ بَيْدَ أَنِي مِنْ قُرَيْش)، وَ مَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَهُ مِمَّا لا تَقُومُ بِهِ حُجَّة، وَ لَو صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ دَلالَةٌ صَرِيْحَةٌ عَلَى مَا ذَهُبُوا إِلَيْهِ؛ لأنَّهُ قَدْ مَرَّ بِكَ أَنَّ نُطْقَ الضَادِ عَسِيْرٌ جِدَّاً، بَلْ هُوَ أَعْسَرُ الْحُرُوفِ نُطْقَاً، فَهُوَ يُبَيِّنُ أنَّهُ أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِاللُّغَةِ التِي فِيهَا هَذَا الْحَرْفُ الْعَسِيْرُ نُطْقُهُ، وَ هَذَا احْتِمَالٌ مُسَاوٍ لاسْتِدْلالِهِمْ فِي أنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ تَفَرُّدُ اللُّغَةِ بِالضَاد، وَ إِنْ كَانُ الاحْتِمَالُ رَاجِحَاً أَو مُسَاوِيَاً سَقَطَ الاسْتِدْلالُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الأُصُول، وَ اللهُ أَعْلَم.

هَذَا، وَ بَعْضُ النَّاطِقِينَ يَنْطِقُهَا كَالظَّاءِ الْمُشَالَة، وَ قَدْ حَصَلَتْ مَعَارِكُ عِلْمِيَّةٌ بِسَببِ هَذَا، لا تَقْوَى عَلَيْهَا إلا أقْلامُ مَنْ رَسَخَتْ فِي اللُّغَةِ قَدَمُهُ، فَخَاضَ بَعْضُ الْمُتَعَجِّلِينَ فِي بَحْثِهَا بَحْرَاً يَصْعُبُ عَلَيهِ الوُقوفُ على سَاحِلِهِ فَأَتَى بِمَا يُضْحَكُ منه. فَلَعَلَّ هَذَا الْخَلْطَ فِي نُطْقِهَا - حَتَّى ظَنَّهَا بَعْضُهُم ظَاءَاً مُشَالَةً - مِنْ أَسْبَابِ فُشُوِّ هَذَا الرَأي، واللهُ يَقُولُ الْحَقَّ، وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير