تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الطب في ظل النظام الرأسمالي، الكاتب: أبو الغيث - فلسطين]

ـ[حاتم ناصر الشرباتي]ــــــــ[14 - 10 - 2007, 12:42 م]ـ

:::

الطب في ظل النظام الرأسمالي

الكاتب: أبو الغيث - فلسطين

لطالما كان الطب علمًا إنسانيًا هدفه تخفيف آلام ومعاناة البشر الجسدية والنفسية أولاً وقبل كل شيء. وعلى مدار التاريخ، كان الطبيب شخصًا نال الاحترام والثقة، باعتباره رفيق المريض، تعالى على مصالحه وشهواته الذاتية في سبيل مساعدة الضعفاء، وأقسم أن لا يضر محتاجًا أو يخون أمانة.

جاء في قَسَمِ أبيقراط في القرن الرابع قيل الميلاد: "أقسم أن أحمي المرضى من الأذى والظلم ... وأن لا أصف لمريض دواءً قاتلاً ولا أعطيه نصيحةً تؤدي لموته ... أقسم أن أحيط حياتي وعلمي بالطهارة والقداسة، وبغض النظر أي بيتٍ أزور، سأسعى إلى فائدة المريض، متعاليا عن قصد الظلم، أو الإساءة".

وقال صلى الله عليه وسلم لمن أخبره أنه طبيب: "الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق" (1)، أي: أنت ترفق بالمريض وتتلطفه، والله يبرئه ويعافيه.

وعلى اختلاف الشعوب والحضارات التي شغلت من التاريخ حيزًا، واختلافها في النظرة إلى الحياة، بقيت للطب مكانته الإنسانية، وبقي قسم أبيقراط (بصيغِهِ المختلفة) منهجًا لا حياد عنه، حتى في أشد عصور الظلمات، إلا ما شذّ وندر من حالات فردية لا ترقى لأن تكون ظاهرة.

ولقد ابتلينا في هذا الزمن بحضارة من أسوء ما تفتقت عنه عقول البشر القاصرة، حضارةٌ فصلت الدين عن الحياة، وتغاضت عن قيم الأخلاق والإنسانية فضلاً عن القيمة الروحية، ولهثت وراء المادة، ورفعت راية الرأسمالية فوق رقاب الضعفاء، فاستعبدت الناس وقد كادوا يعودون أحرارًا، الغني فيها راكعٌ للمال وشهواته، والفقير عبدٌ ساجدٌ لربّ العمل وأهوائه، والشيطان راقصٌ عن يمينهم وشمالهم.

ولم يسلم الطب من وحل الرأسمالية، ولم ينجُ من أنظمتها وطريقة عيشها، فأضحى وقد كان كل هذا الزمن في برجٍ منيعٍ، أداةً لرؤوسِ المال، يستغلونه -كما استغلوا كل شيء- لمص دماء المرضى الضعفاء وأموالهم، ولإشباع جشعهم ونزواتهم التي لا تشبع.

ومن فُحش الرأسمالية، أن ظهر الفساد في كل نواح الطب تقريبا، في نظام التأمين الصحي وشركاته، في شركات الأدوية وأبحاثها، في الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، وفي استغلال الشركات للأطباء واستغلال الأطباء للمرضى. وكما في كل مكان دخلته الرأسمالية، لا بقاء ولا حياة للضعيف، ولا قيمة إلا للمال.

ولم تكن المشكلة هذه المرة في حالات فردية حصلت هنا وهناك، ولكن كانت المشكلة في أساس النظام، حتى تفشت لتصيب كل فروعه.

ومن منطلق إظهار الحق، ولتستبين سبيل المجرمين، نتطرق في هذا البحث لبعض ما نال جانب الطب في ظل الرأسمالية، مستعرضين بعض المجالات والنواحي التي نخرها سوس النفعية وأبلاها ظلم الأنظمة الوضعية، آملين من الله أن ينجلي ظلام هذا المبدأ العفن قريبا، ببزوغ شمس الخلافة القريبة، وأن تعود للإسلام مكانته ونظامه، ليحفظ لكل ذي حق حقه.

التأمين الصحي:

الرأسمالية في أساسها مبدأ ظالم لا مكان فيه للضعفاء، ولا راحة فيه للأقوياء، ولو طُبِّق النظام الرأسمالي كما هو، لثار الناس لشدة ما سيقع بهم من حيف وجور واستغلال. والعقلية النفعية التي لا تقيم وزنًا إلا للمادة، تحمل صاحبها على فعل أي شيء يحقق الربح، ولو كان فيه هلاك الناس، ودمار المجتمع، بل حتى لو كان فيه هدمٌ للنظام الرأسمالي نفسه. ولذلك، وحفظًا للنظام الرأسمالي من حنق الناس وثورتهم ضده إذا طُبق عليهم كما هو، اضطر الرأسماليون إلى إصدار بعض القوانين المخالفة في أصلها للمبدأ الرأسمالي، والتي تهدف إلى ترقيع هذه الثغور المُهلكة في النظام الرأسمالي.

فمثلاً: لو طُبق النظام الرأسمالي كما هو، لكان لصاحب العمل أن يُشغّل من يشاء بأي أجر يشاء، وطبعًا -وكون الرأسمالية لا تقيم وزنًا إلا للربح والمنفعة- سيطمح الرأسمالي إلى تشغيل العامل بأقل أجر ممكن والذي يُمكِّن هذا العامل من أمر واحد: الحياة ليعمل. ونظرًا لوجود البطالة، واستعداد العامل للعمل بأي أجر حتى لا يموت جوعًا، فإن هذا الأمر متصوّر الحدوث في هذا النظام العفن بصورته الأصلية. وحينها، سيثور الناس –ومنهم العاطل عن العمل المحكوم عليه بالموت، والعامل المحكوم عليه بحياة الموت- ضد الرأسماليين والدولة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير