[تابع شرح الحديث المدهش ج 2]
ـ[أبو همس]ــــــــ[19 - 10 - 2007, 08:43 م]ـ
يحفظك:.
يعني أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله فإن الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى: {وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم}.
وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان من الحفظ:.
1 ـ حفظ له في مصالح دنياه: بحفظه في بدنه وولده وأهله وماله قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه، قال علي رضي الله عنه: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يُقدَّر فإذا جاء القدر خليَّا بينه وبينه .. وقال مجاهد: ما من عبد إلا له ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما من شيء يأتيه إلا قال: وراءك، إلا شيئاً أذن الله فيه أن يصيبه.
لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا بهذه الكلمات حين يُمسي وحين يُصبح " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي " ..
أ / ومن حفظ الله في صباه حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، وقنعه بسمعه وبصره، وحوله وقوته وعقله.
كان بعض العلماء قد جاوز مائة سنة وهو يتمتع بقوته، فوثب يوماً وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.
وعكس ذلك أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس فقال: إن هذا ضيع الله في صغره فضيعه شيخاً في كبره.
ب / وقد يحفظ الله العبد بصلاحه بعد موته في ذريته كما في قوله تعالى: {وكان أبوهما صالحاً} فقد حفظا بصلاح أبيهما.
قال سعيد بن المسيب لابنه: لأزيدنَّ في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك.
ج /ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله فإن الله يحفظه في تلك الحال كما روى النبي صلى الله عليه وسلم قصة المرأة التي أتته فقال:" إن امرأة كانت قد خرجت في سرية من المسلمين وتركت اثنتي عشرة عنزة وصيصتها قال: ففقدت عنزاً وصيصيتها كانت تنسج بها .. فقالت: يارب إنك ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه وإني قد فقدت عنزاً من غنمي وصيصيتي وإني أنشدك عنزي وصيصيتي، وإني أنشدك عنزي وصيصيتي، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شدة مناشدتها ربها تبارك وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصيتها ومثلها وهاتيك فأيها إن شئت، قلت (والكلام للراوي): بل أصدقك.
د / ومن حفظ الله في الدنيا الحفظ من الهم والغم قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً} قالت عائشة: يكفيه غمَّ الدنيا وهمها. وقال الربيع بن خيثم: يجعل له مخرجاً من كل ما ضاق على الناس. وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يُغنوا عنك من الله شيئاً.
هـ / ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظاً له من الأذى وساعية في مصالحه .. كان إبراهيم بن أدهم نائماً في بستان وعنده حية في فمها طاقة نرجس فما زالت تذب عنه الذباب حتى استيقظ.
ومن ضيع الله ضيعه الله بين خلقه حتى يُدخل عليه الضرر ممن كان يرجو أن ينفعه كما قال بعضهم: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلق خادمي وحماري [أي أنهما يضرانه أو لا يستجيبا له لمعصيته لله فيأتيه الضرر من حيث أراد المنفعة].
2 ـ حفظ الله له في دينه وإيمانه: وهو أشرف أنواع الحفظ، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة والشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان.
وقد ثبت في الصحيحين: من حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول عند منامه:" اللهم إن قبضت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين "
وقد علم عمر رضي الله عنه أن يقول:"اللهم احفظني بالإسلام قائماً، واحفظني بالإسلام قاعداً، واحفظني بالإسلام راقداً، ولا تطع فيُّ عدواً ولا حاسداً ".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ودع من يريد السفر يقول له:" استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك ".
وفي رواية:" إن الله إذا استُودع شيئاً حفظه ".
¥