والذي يظهر أن ما قاله أصحاب القول الثاني أقرب إلى الصواب؛ لا سيما وأن المعنى الذي تدرك به الفضيلة ليس موقوفاً على الفراغ من القضاء قبل الست فإن مقابلة صيام شهر رمضان لصيام عشرة أشهر حاصل بإكمال الفرض أداء وقضاء وقد وسع الله في القضاء فقال:? فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ? (البقرة: 185)، أما صيام الست من شوال فهي فضيلة تختص هذا الشهر تفوت بفواته. ومع هذا فإن البداءة بإبراء الذمة بصيام الفرض أولى من الاشتغال بالتطوع. لكن من صام الست ثم صام القضاء بعد ذلك فإنه تحصل له الفضيلة إذ لا دليل على انتفائها، والله أعلم.
7 ـ استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على استحباب صيام الدهر،
وقالوا: لو كان صوم الدهر مكروها لما وقع التشبيه به , بل هذا يدل على أنه أفضل الصيام.
وأجاب عن ذلك ابن القيم فقال: (هذا الاستدلال فاسد جدا من وجوه:
أحدها: أن في الحديث نفسه أن وجه التشبيه هو أن الحسنة بعشر أمثالها , فستة وثلاثون يوما بسنة كاملة ومعلوم قطعا أن صوم السنة الكاملة حرام بلا ريب والتشبيه لا يتم إلا بدخول العيدين وأيام التشريق في السنة وصومها حرام فعلم أن التشبيه المذكور لا يدل على جواز وقوع المشبه به فضلا عن استحبابه فضلا عن أن يكون أفضل من غيره. نظير هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن عمل يعدل الجهاد؟ فقال " لا تستطيعه. هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تقوم فلا تفتر , وتصوم فلا تفطر؟ قال: لا. قال: فذلك مثل المجاهد " ومعلوم أن هذا المشبه به غير مقدور ولا مشروع.
فإن قيل: يحمل قوله " فكأنما صام الدهر " على ما عدا الأيام المنهي عن صومها.
قيل: تعليله صلى الله عليه وسلم حكمة هذه المقابلة , وذكره الحسنة بعشر أمثالها , وتوزيع الستة والثلاثين يوما على أيام السنة: يبطل هذا الحمل.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن صام الدهر , فقال " لا صام ولا أفطر , وفي لفظ لا صام من صام الأبد " فإذا كان هذا حال صيام الدهر فكيف يكون أفضل الصيام؟
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيحين أنه قال " أفضل الصيام صيام داود " وفي لفظ " لا أفضل من صوم داود: كان يصوم يوما ويفطر يوما " فهذا النص الصحيح الصريح الرافع لكل إشكال , يبين أن صوم يوم وفطر يوم أفضل من سرد الصوم. مع أنه أكثر عملا. وهذا يدل على أنه مكروه لأنه إذا كان الفطر أفضل منه لم يمكن أن يقال بإباحته واستواء طرفيه. فإن العبارة لا تكون له بالإبطال , فتعين أن يكون مرجوحا , وهذا بين لكل منصف. ولله الحمد.
8 ـ هل يمكن أن تُصام هذه الست في غير شوال وتحصل نفس المزية؟
أجاب عن ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في تعليقه على سنن أبي داود فقال: (اختصاص شوال ففيه طريقان:
أحدهما: أن المراد به الرفق بالمكلف , لأنه حديث عهد بالصوم , فيكون أسهل عليه ففي ذكر شوال تنبيه على أن صومها في غيره أفضل , هذا الذي حكاه القرافي من المالكية , وهو غريب عجيب.
الطريق الثاني: أن المقصود به المبادرة بالعمل , وانتهاز الفرصة , خشية الفوات. قال تعالى {فاستبقوا الخيرات} وقال {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وهذا تعليل طائفة من الشافعية وغيرهم.
قالوا: ولا يلزم أن يعطي هذا الفضل لمن صامها في غيره , لفوات مصلحة المبادرة والمسارعة المحبوبة لله.
قالوا: وظاهر الحديث مع هذا القول. ومن ساعده الظاهر فقوله أولى. ولا ريب أنه لا يمكن إلغاء خصوصية شوال , وإلا لم يكن لذكره فائدة.
وقال آخرون: لما كان صوم رمضان لا بد أن يقع فيه نوع تقصير وتفريط , وهضم من حقه وواجبه ندب إلى صوم ستة أيام من شوال , جابرة له , ومسددة لخلل ما عساه أن يقع فيه. فجرت هذه الأيام مجرى سنن الصلوات التي يتنفل بها بعدها جابرة ومكملة , وعلى هذا: تظهر فائدة اختصاصها بشوال , والله أعلم.
9 ـ هناك فرق بين أن يقول " فكأنما قد صام الدهر " وبين قوله " فكأنما صام الدهر " هو أن المقصود تشبيه الصيام بالصيام. ولو قال: فكأنه قد صام الدهر , لكان بعيدا عن المقصود , فإنه حينئذ يكون تشبيها للصائم بالصائم. فمحل التشبيه هو الصوم , لا الصائم , ويجيء الفاعل لزوما , ولو شبه الصائم لكان هو محل التشبيه , ويكون مجيء الصوم لزوما , وإنما كان قصد تشبيه الصوم أبلغ وأحسن لتضمنه تنبيه السامع على قدر الفعل وعظمه وكثرة ثوابه , فتتوفر رغبته فيه.قاله ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود.
منقول للفائدة
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[18 - 10 - 2007, 08:44 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذا النقل المفيد، وفيه تذكير بأحكام كثيرة مهمة، جزى الله خيرا كاتبها.
ـ[ايام العمر]ــــــــ[18 - 10 - 2007, 01:42 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي تميم ,ولكن هل من الممكن أن تذكر لي مصدرك؟
بارك الله فيك.
¥