ورغم ما يبدو من اختلاف كبير بين موقف «التبيضيين» و «التسويديين»، إلا أن هناك ما هو مشترك بينهما. بل إن وجود كل منهما أساسي لوجود الآخر. فسدنة التبييض، الذين يحاولون تقديس التاريخ وتنزيهه رغم «أنف» التاريخ، يجدون تبريراً لما يفعلون، عبر دفاعهم عن التاريخ وإيجابياته من هجمات زبانية التسويد، خصوصاً في مرحلة تخندق طائفي كالتي نمر بها، وهي هجمات تريد نسف كل شيء في التاريخ: الصالح والطالح منه، وهؤلاء الزبانية في الوقت نفسه، يعتمدون على مغالطات السدنة وتزويقهم الساذج وإنكارهم للحقائق، للترويج لرؤيتهم التسويدية .. ومع الموقفين، ليست الحقيقة «الموضوعية» وحدها الضحية، ولا «التجربة الإنسانية» التي لا تعرف الأبيض والأسود بهذه الحدة، ولكن أيضاً هناك «المتلقي» المحبط على مذبح التبييض والتسويد على حد سواء، إنه محبط مع التبيضيين لأن التاريخ المبيض لا يبدو بشرياً أبداً، لا يبدو أنه تاريخ من صنع البشر (الذين يشبهونه) بل هو من صنع الملائكة تقريباً، ما دام كان منزهاً عن الخطأ لهذه الدرجة .. وهذا محبط لأنه غير صالح للاقتداء، فالتجربة البشرية لا بد لها من أخطاء كي تكون بشرية، كي تكون «قدوة»، كي تكون قابلة للتصويب والتسديد: كما أن التاريخ المبيض عاجز تماماً عن الإجابة عن بعض الأسئلة: أسئلة مثل لماذا إذن حصل ما حصل؟ .. لماذا إذن حصل الانهيار إذا كانت التجربة بهذا الكمال؟ ..
وهو محبط مع التسويديين من باب أولى. إذا كان الجيل الأول (وهو هدف التسويديين الأول) قد تعامل بهذا الشكل، وهو الأقرب لعهد الوحي، فهل يمكن أن ينتج أي تعامل أفضل، بعد قرون متطاولة من عهد الوحي ..
والرؤية الموضوعية، البعيدة عن المُطلقين, الأبيض والأسود، هي التي تتخلص من هذه النتيجة في الحالتين، وهي الرؤية التي يعاديها السدنة والزبانية أكثر مما يعادون بعضهم بعضاً، فوجود كل منهما أساسي للآخر، أما الرؤية الموضوعية فستنفي الحاجة إلى وجودهم سوية. الرؤية الموضوعية ستفصل التجربة الإنسانية عن النص الإلهي، ولن تتعامل بمفهوم معصومية البشر (وهو مفهوم نظرت له فئة واعتبرته أصلاً من أصولها، بينما تعاملت فئة أخرى معه دون أن تسميه، عبر استبعاد الخطأ واحتماله وإمكانيته من بضعة آلاف من الجيل الأول) .. فالجيل الأول، بناة الحضارة، كانوا بشراً، بل إن أعظم ما فيهم أنهم كانوا بشراً، ولذلك فتجربتهم قابلة للاقتداء، وقابلة لأن تكون قد أخطأت هنا أو هناك، وقابلة أيضاً لأن تصحح وتسدد ..
الاستثمار في التاريخ، من أجل مستقبل أفضل، ممكن .. وسيكون استثماراً رابحاً وإيجابياً .. فقط لو ابتعدنا عن رؤية السدنة ورؤية الزبانية، وعن الأبيض والأسود باعتبارهما اللونين الوحيدين الموجودين في العالم ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من رسائل البريد وبلا أي تعديل، إلا الزيادة في العنوان ـ أمة إقرأ ـ.
ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[07 - 03 - 2008, 10:28 م]ـ
أهلا بك نائل، سعدنا بمشاركتك ..
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[07 - 03 - 2008, 10:35 م]ـ
كان هذا الرد على هذه القراءة في مكان أخر .. ولرفع الخلاف أشارك العقول في دوام التواصل المقبول بناء على أكثر من قراءة واحدة .. وصاحب الرد هو الأخ أكرم.
إقتباس
ولأنه تاريخ التجربة الإسلامية الحافلة، فقد كان فيه كل شيء، وتجلت فيه إيجابية الإنسان وسموه وقوته، في عهد حضارته وازدهاره، كما ظهرت نقاط سلبيته وضعفه في عهد انحداره .. (وهو تاريخ أفضل من تاريخ كثير من الأمم حتى في عهد انحداره) وهو أمر لا يمكن اعتباره إلا جزءا من «طبيعة الأشياء» ..
ليس تاريخ التجربة بل التطبيق الفعلي والحقيقي للإسلام ... والإسلام ليس من صنع البشر كي
يطلق عليه (التجربة) بل هو من عند الله ,وطبّق إمتثالا لأمره تعالى ولا تصلح البشرية إلا بتطبيقه .... أما أنه ظهرت نقاط سلبيته وضعفه في عهد إنحداره وهو أمر لا يمكن اعتباره إلا جزءا من
فكلا أيها الأخ ... بل جزء من طبيعة البشر الذين يحسنون أو يسيئون التطبيق ... أم أنك تقصد بطبيعة الأشياء الإسلام كذلك!!!!!!!!!!!!
إقتباس
لأن التاريخ المبيض لا يبدو بشرياً أبداً، لا يبدو أنه تاريخ من صنع البشر (الذين يشبهونه) بل هو من صنع الملائكة تقريباً، ما دام كان منزهاً عن الخطأ لهذه الدرجة .. وهذا محبط لأنه غير صالح للاقتداء، فالتجربة البشرية لا بد لها من أخطاء كي تكون بشرية، كي تكون «قدوة»، كي تكون قابلة للتصويب والتسديد: كما أن التاريخ المبيض عاجز تماماً عن الإجابة عن بعض الأسئلة: أسئلة مثل لماذا إذن حصل ما حصل؟ .. لماذا إذن حصل الانهيار إذا كانت التجربة بهذا الكمال؟ ..
إقتباس
فالجيل الأول، بناة الحضارة، كانوا بشراً، بل إن أعظم ما فيهم أنهم كانوا بشراً، ولذلك فتجربتهم قابلة للاقتداء، وقابلة لأن تكون قد أخطأت هنا أو هناك، وقابلة أيضاً لأن تصحح وتسدد ..
أشم رائحة تطويع الإسلام .. فالجيل الأول أيها الأخ هم الصحابة وهو كالنجوم وإجماعهم مصدر للأحكام الشرعية ... كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والقباس.
أما (لماذا إذن حصل الإنهيار إذا كانت التجربة بهذا الكمال؟
يقول الله تعالى [اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا]
فالإسلام ليس تجربة وهو كامل .... ولم يحصل الإنهيار وإنما بتواطؤ أناس لا يفهمون الإسلام إلا في حيّز ما أُشربوا من مفاهيم غريبة عن الإسلام, وهان عليهم هدم خلافتهم
فالخلافة عائدة بإذن الله وعلى منهج النبوة بل خلافة راشدة.رغم أنوفكم ... ولا نكترث إن إعتبرتم ذلك بوسيتيف أم نيجاتيف.
بوركت أخي أبو محمد الراشد على النقل.
¥