تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الكلمة المعجزة]

ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[20 - 04 - 2008, 11:46 م]ـ

الحمد لله المنعم على عباده بما هداهم اليه من الايمان والمتمم احسانه بما أقام لهم من جلي البرهان وصلى الله على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين

كتاب الله العزيز شامخ في معماره البياني وحسه المجازي وبعده التشبيهي ورصده الاستعاري وتهذيبه الكنائي وهو يعلو ولا يعلى عليه وهو ليس كسائر كلام البشر ولا أمراء البيان، وهو يشمل فصاحة خارقة في اللفظ وفصاحته المتجلية في تركيبة لفظه التي تسيل رقة وعذوبة وهي جذابة وموزونة وهي الحق الصادع والنور الساطع فان أوجزت كانت كافية وان أكثرت كانت مذكرة وان أمرت كانت ناصحة وان حكمت كانت عادلة وان أخبرت كانت صادقة وهي سراج تستضيئ بها القلوب وبحر العلوم الواسعة والعميقة وديوان الحكم وجوهر الكلم وهي المبلغة التي لا تمل والمتجددة التي لا تبلى

وكتاب الله العزيز حار فيه أرباب العلم والبيان فما كان قليله يغنيك عن كثيره، واعجازه مضمر ومكنون في ثنايا وبواطن اللفظ، فالله تعالى وهو العليم الخبير أحكم آياته وجعل كلماته نورا وألبسها من علمه وحكمته ثياب الجلالة وغشاها من نور الحكمة لتكون عظة ونبراسا للمتقين وتبيانا لكل العوالم الخفية والدقيقة واشارات باهرة في كل أصناف العلوم ومحركا للبواعث والهمم لترقى بالانسان نحو أسمى الغايات، وأسلوب القرآن يتفوق عن كل تجريد مجازي ويختلف اختلافا بينا عن كل أصناف الكلام وهذا ما أود طرحه في مداخلتي هذه طالبا من الله العلي القدير العون والسداد وبالله التوفيق.

فكتاب الله عز وجل يسمو عن التحليلات المجازية المطروحة في عصرنا الحاضر، وعن كل التحليلات اللغوية أو البيانية و أنماطها المعروفة وقد يسقط في المتشابه معتقدا أنه مجاز، غير أن المتعمق في الأسلوب القرآني ينكشف له أن من خصائصه التجريد المطلق والتنزيه الكامل، والتشبيه القرآني متجانس كل التجانس بأ سلوب معجز بما يحقق العمق الفني بكل أبعاده كالتشبيه الحسي لتقريب المعنى للمتلقي، وهذه التشبيهات هي من الكون والطبيعة وآيه في خلقه، والأسلوب القرآني يسمو على غيره من كلام البشر لأنه سبحانه وتعالى أحاط بكل شيء علما، فلا الاه الا هو له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

ولقد وضعت مقارنة بين أمثال العرب القديمة وأمثال القرآن فوجدت الفرق شاسع وواسع ولا مجال للمقارنة وهذه الأمتال وضعها سبحانه للمتلقي في محيطه وبيئته بلغته وكلامه المعهود، أما أسرارها فمودعة في ثنايا الألفاظ ولا تظهر وتتجلى الا بعد البحث والاستقصاء في زمان ومكان مختلفين، واذا كان التشبيه الاستعاري مماثلا في بيئة ومحيط المتلقي مجسما في أقرب الأشياء اليه والتي يراها ويحس بها فالمراد به هو تهذيب النوازع وبناء كيان متكامل لأنه يخاطب أعماق النفس البشرية فنجد شدة في رقة ودعوة ظاهرة في كمون متفاوت وخوف مع رجاء ورجاء مع خوف ودعوة فيها نور في نور، والتشبيه القرآني متجانس ويحقق أبعادا في العمق التصويري ويقرب الحسي لتقريب المعنى للمتلقي وخطاب القرآن متضمن لبعض الألفاظ الدقيقة حيث اللفظ يدل على نفس الصوت، ولقد كان جريا على سنن العرب في تسمية اللفظ باسم صوته، لذا نجد كتاب الله عز وجل يجاري بيأتهم وحسهم لما عهدوه برفق وبيان متناهين.

وكتاب الله عز وجل فيه دعوة للتأمل والتدبر ويحرك البواعث والهمم وهناك اشارات واضحة دالة على هذه الحركية الدائبة والمسترسلة لترقى بالانسان ومحيطه المتجدد والمتفاعل لما هو أسمى، فالبدوي البسيط الذي عاش في الصحراء وهو يقرأ قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) الآية .. قد يستشف من هذه الآيات حقائق على قدر فهمه وعلمه وفي مكان وزمن مختلفين و تجد عالم الذرة قرب حاسوبه يستكشف آيات عظيمة من هذه الآيات الاعجازية، اذن فالآية ليست كلاما عاديا بل هو مختلف باختلاف العلم الموهوب وقد تدرك حقائق في زمان ومكان مختلف فتزيد الانسان دهشة وذهول وهنا تكمن المعجزة الحقيقية لكتاب الله عز وجل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير