[لك الله يا أبا معتق .. !]
ـ[كرم مبارك]ــــــــ[29 - 04 - 2008, 06:49 م]ـ
في منزل متواضع يتكون من غرفتين ومدخل من صفيح رقيق يقع في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة.
جلس أحمد أبو معتق وزوجته ميسر وأطفالهما الصغار يتناولون طعام الإفطار
كانت الأم تحمل بين يديها الطفل الرضيع مسعد الذي أكمل عامه الأول قبل عدة أيام والذي كان منشغلاً بشرب حليب أمه
بينما يد الأم الأخرى مشغولة بإطعام الصغيرة هناء ذات الثلاثة سنوات والتي لا تأكل إلا من يد أمها الحنونة.
أما ردينة ذات الأربع سنوات وصالح ذو الخمس سنين فقد كان بيد كل منهما كوب حليب يشربان منهما وهما يضحكان بسعادة غامرة مع الطرائف التي كان يلقيها والدهما أحمد بين الحين والآخر انتظاراً لانضمام أخوتهم الثلاثة الذين تأخروا في غرفة نومهم ..
كانت المحبة والانسجام واضحاًً على هذه العائلة البسيطة برغم فقرها وعوزها، ولكنها كانت راضية، صابرة، محتسبة ..
تأخر الأخوة الثلاثة عن اللحاق بالفطور فقام الأب يستطلع الأمر فوجد شيماء وأسماء تستعدان أمام المرآة - وهكذا هم البنات دائماً - فطلب منهما الخروج إلى حيث الإفطار.
أما الأخ الأكبر فقد خرج إلى خارج المنزل كعادته يراقب الصباح الجميل وأشعة الشمس الذهبية التي بدأت بغزو الفضاء، والطيور التي كانت تستفتح الصباح بطيرانها وقفازتها وتغريدها الجميل
وهنا لم يجد الأب بداً إلا أن يخرج بنفسه ليستدعيه فقد كان اجتماع الفطور والغداء والعشاء مقدساً عند هذه العائلة، كما هي عادة أغلب عائلات هذه البلدة الصغيرة ..
كان الأب يعلم أين يجد ابنه فهو دائماً يذهب خلف البيوت حيث المزرعة المجاورة يستمتع بالنظر إلى الطيور والطبيعة الجميلة ..
ولم يكن الأب يدري أن هذا آخر عهده بأسرته وأنه لن يراهم بعد الآن إلا أشلاء ممزقة، فقد كان هذا قدرهم الذي ينتظرهم في هذا الصباح ... !
سمع الأب صوت انفجار هائل – وكانت هذه الأصوات من الأمور المعتادة في هذه القرية نظراً لكثرة توغلات الدبابات الصهونية فيها – ولكنه شعر إن هذا الصوت ليس ببعيد عن منزله، فأحس بانقباض شديد، فتعوذ بالله من شر ما خلق، ورجع مسرعاً يستطلع أمر منزله فقد كان صوت الانفجار عالياً وقريباً وبدأ الدخان يتطاير بشكل كثيف في اتجاه منزله ..
ركض كما لم يركض من قبل وأحس أن ساقيه لا تلمسان الأرض من فرط سرعته، ووجد الجيران يركضون كلهم ناحية منزله وهم يصيحون:
الصاروخ اليهودي وقع في بيت أبو معتق الحقوا عليهم يا جماعة – ولم يكن الجيران يعلمون أن أبو معتق يركض معهم - ..
هنا فقط شعر وكأن ساقيه شلتا وكأنهما لا تستطيعان حمله وكأن المسافة بعدت بينه وبين بيته بشكل كبير.
تقدم وقلبه يكاد يقفز من مكانه وصوت دقاته تسمعها أذنيه، تقدم وهو يسمع بعض الجيران وهم يخرجون من المنزل وهم يصيحون في القادمين:
لاحول ولاقوة إلا بالله، كلهم استشهدوا إلا طفلين كانا في الغرفة إصابتهما شديدة ..
وهنا كاد أن يغمى على الأب المكلوم، وكادت روحه أن تخرج من جسده من هول ما سمعه، ولكنه رغم ذلك تقدم إلى الداخل ببطء لعله يلقي النظرة الأخيرة على الأجساد الطاهرة البريئة ..
دخل وياليته لم يدخل ...
فلم تكن الأجساد هي الأجساد التي تركها قبل قليل، بل أصبحت أشلاءً اخترقتها شظايا عدة صواريخ وقعت في هذا المنزل البسيط وهذه العائلة الفقيرة، واختلطت هذه الأشلاء ببقايا الحليب وطعام الإفطار .. !
لقد فقد في لحظة واحدة زوجته ميسر وأطفاله الأربع .. مسعد وهناء وصالح وردينة ... وأصيبت طفلتيه أسماء وشيماء بإصابات بليغة ...
كانت لحظة مأساوية بحق، ووداع سريع لم يكن في الحسبان، وداع لرفيقة الدرب التي عاشت الحلو المر والأسود والأبيض معه ..
وداع لأطفاله الصغار الأبرياء،لأجمل براءة، لأحلى ابتسامات وضحكات كان ينسى بها همومه وغمومه، لأطهر وأصفى قلوب كان يحتضنها كلما ادلهمت به الخطوب، وعصفت به الأحداث، وأحاطت به الفتن، وأثقلته المسؤوليات، وجثمت على صدره المحن .. !
¥