[أمة إقرأ *]
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[07 - 03 - 2008, 10:14 م]ـ
http://www.alarab.com.qa/details.php...No=65&secId=23
2008-03-07
أحمد خيري العمري*
تاريخ أي أمة هو جزء من تكوينها الأساسي، لا يمكن الهروب منه. إنه، مثل تاريخ مولدك ومكانه، «قَدَر» لا فرار منه. مهما حاولنا، ومهما حاولت أي أمة، فالفرار من التاريخ عبثٌ يظهر في طياته سيطرة هذا التاريخ، إلى درجة محاولة الفرار اليائسة تلك ..
تاريخ أي أمة هو جزء من «شفرتها الجينية» التي قد لا تكون ظاهرة للعيان، لكنها تتحكم في كثير مما يظهر ومما لا يظهر للعيان، وهذه الشفرة قد تحتوي على كثير من السلبيات كما على الإيجابيات، آلية التعامل مع هذه المنظومة الوراثية، قد يقوي بعض ما هو سلبي فيها، وقد يحيد في الوقت نفسه إلى الجوانب الإيجابية فيها ..
تاريخنا ليس استثناء من هذا. بل إنه ربما كان التاريخ الذي يتمثل فيه هذا أكثر من أي تاريخ آخر. ولأنه تاريخ التجربة الإسلامية الحافلة، فقد كان فيه كل شيء، وتجلت فيه إيجابية الإنسان وسموه وقوته، في عهد حضارته وازدهاره، كما ظهرت نقاط سلبيته وضعفه في عهد انحداره .. (وهو تاريخ أفضل من تاريخ كثير من الأمم حتى في عهد انحداره) وهو أمر لا يمكن اعتباره إلا جزءا من «طبيعة الأشياء» ..
ليست المشكلة في تاريخنا بالتأكيد، لكنها في إصرار البعض على «التعامل المطلق» مع هذا التاريخ، ومن خلال لون واحد من اثنين: إما الأبيض، أو الأسود .. مع الإصرار على تجاهل أن الحقيقة الإنسانية تشكل كل ألوان الطيف، وتسكن بالذات النماذج بين هذه الألوان، ونادراً ما تكون في لون مستقل عن الألوان الأخرى ..
أصحاب اللون الأبيض يصرون على صبغ التاريخ بهذا اللون، لكنهم يدّعون أن هذا هو لونه الحقيقي، إنهم يعتبرون أن تاريخنا منزه عن الخطأ وعن الخطيئة، وتعاملهم مع ما يعتبر «خطأ» يتلخص في موقف من اثنين، إما إنكار وقوع هذا الخطأ أصلاً عبر اتهام «الأعداء» بالافتراء والكذب وانتحال الخبر كله، (حتى لو كان الخبر واردا في مصادرنا، وليس مصادر الأعداء)، أو الموقف الثاني، الأكثر سوءاً وخطورة، وهو الاعتراف بوقوع «الخبر» -ولكن عدم اعتباره «خطأ» - أي محاولة تبريره عبر البحث عن «نص» ما، يمكن تأويله ومطه «ظلماً» ليمرر هذا الخطأ، أو عبر إدخاله من بوابة «الاجتهاد الخاطئ» الذي سيحصل أجراً واحداً بدلاً من أجرين ..
الموقف الأول أنكر حصول بعض الأخطاء والمظالم في الفترة الانتقالية بين العصر الراشدي والعصر الأموي، رغم وجود إشارات واضحة لهذا في كتب الصحاح. أما الموقف الثاني فلم ينكر حصول المظالم والأخطاء، لكنه حاول تبريرها وتشريعها، وهذا لا يقل سوءا، لأنه يعطي الشرعية لاستمرار هذه المظالم في عهود أخرى -وحالية أيضاً- ولو أن الأمر ترك بلا تبرير، أو فسر على أنه سياسة دولة، وطبيعة المرحلة .. إلخ، لكان أفضل، لأنه لم يكن ليرتبط بالدين، أو بفقه النص، أو بالفتوى المرتبطة بالنص ..
أما الفئة الأخرى، من أصحاب اللون الأسود، فهم الجهة المعاكسة «النيجاتيف» من الفئة الأولى، إنهم يصرون على أن لا شيء في هذا التاريخ سوى المظالم والأخطاء، لا عدل هناك ولا حضارة ولا بناء على الإطلاق -ليس سوى تاريخ مستمر من الظلم و «المظلومية». وهؤلاء ينقسمون بدورهم إلى قسمين- قسم ينتمي إلى «أهل القبلة» ورؤيتهم هنا للتاريخ هي رؤية طائفة نتجت أصلاً عن بعض هذه الأخطاء والمظالم، ومع الوقت، تخندقت داخل رؤيتها الطائفية الضيقة،
ولم تنجز تاريخاً أفضل في الوقت نفسه، كما لم تنحاز حقاً إلى قيم العدالة، لأنها كررت نفس الأخطاء والمظالم وربما بدرجات أكبر كلما سنحت لها «الفرصة التاريخية»، بالذات نجحت في تكرار الأخطاء وفشلت في إنجاز الإيجابيات التي تحققت في التاريخ الذي تهاجمه، القسم الثاني هو قسم لا ينتمي فعلياً إلى أهل القبلة، بل ينتمي إلى فئة بعض المستشرقين، وأتباعهم من المستغربين (وهم عموماً أسوأ من المستشرقين)، وهؤلاء عمدوا إلى اللون الأسود كعدسة لرؤية التاريخ من أجل نسف تجربة الإسلام ككل، واعتماداً على معطيات المظالم المتبادلة نفسها. والهدف من هذا النسف واضح: إنه إذا لم ينجح الإسلام في أي شيء وقتها، فإنه على الأغلب لن ينجح لاحقاً وفي أي وقت آخر.
¥