تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أن يكون المقصود في هذه الآية: هو "أكثرنا"، ومنه قول أبي سفيان، رضي الله عنه، في حديث هرقل، وكان يومئذ على الشرك: (لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر)، أي: كثر أمره واشتد.

وأشار القرطبي، رحمه الله، إلى وجه رابع على قراءة من شدد ميم: "أمرنا"، فيكون المعنى:

جعلناهم بأمرنا الكوني أمراء على الناس وسادة، فأفسدوا في الأرض فاستحقوا الوعيد، كما هو حال كثير من البشر الآن.

يقول القرطبي رحمه الله: "وهى قراءة علي، رضى الله عنه، أي سلطنا شرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم". اهـ

**********

وأما الخبر المستفز فهو:

خبر نشرته جريدة الأهرام، في عددها الأسبوعي، أمس الجمعة، عن امرأة في إحدى الدول العربية المجاورة، بل الملاصقة لفلسطين أقامت عيد ميلاد لـ: "كلبها" المدلل، بتكلفة: 42000 دولار، إن لم تخني الذاكرة، وقد دعي إلى ذلك الحفل الساهر نحو: 250 كلبا فضلا عن مرافقيهم من البشر!!!!!!، في وقت يموت فيه أطفال وشيوخ المسلمين على بعد مئات بل ربما عشرات الكيلومترات من منزلها العامر الذي شهد هذه التظاهرة الكلابية!!.

ويوما ما حكى لي ابن خالتي الحبيب، وقد كان يعمل مهندسا معماريا في أحد المكاتب الهندسية في أحد الأحياء الراقية في القاهرة، عند أحد أساتذته في الجامعة، وكان لدى عائلة تلك الأستاذ: "كلب" على طريقة أبناء الطبقة: "الراقية"، بزعمهم، وكان يلقى من الدلال أمرا يثير: الدهشة والأسى والضحك في نفس الوقت، فحارس العمارة التي يوجد فيها المكتب يشكو إلى ابن خالتي أنه يشتري أطعمة لذلك الكلب لا يستطيع شرائها لصغاره، ولك أن تتخيل أبا يشتري ما لذ وطاب لكلب بهيم، وهو لا يقدر على شراء مثله لأهل بيته، ولك أن تتخيل أطفاله وهو يشاهدون هذه الأطعمة الفاخرة تقدم إلى كلب وهم محرومون منها، ولله في خلقه شؤون، فهذا هو الترف المهلك الذي ورد في الآية الكريمة.

ويوما ما قفز ذلك الكلب في مشهد "درامي" من فوق السطح، ليصاب إصابة بالغة، فهرع أصحابه إلى إنقاذه، فحمل على وجه السرعة إلى أحد الأطباء البيطريين، وعياداتهم رائجة في تلك الأحياء التي يقطنها أمثال أولئك السفهاء الذين خلت قلوبهم من الحق فعمرت بالباطل، ولما رأى الطبيب أن حالة "الفقيد" ميئوس منها: " Hopeless Case" ، كما يقول الأطباء، سارع بإطلاق رصاصة الرحمة عليه، فحقنه بمادة قاتلة ليريحه من الآلام، وعاد القوم من عنده، وكأن القتيل فرد من أفراد الأسرة، فالوجوه مكفهرة، والآذان متدلية، أو: "مدلدلة" كما يقال عندنا في مصر الحبيبة، جزعا على فقد الكلب الحبيب، وتم توجيه اللوم إلى حارس العمارة المسكين، فنسب إلى الإهمال والتقصير في متابعة الكلب، وكأن مهمته حراسة الكلب، مع أن الكلاب عادة إنما تخذ لحراسة البشر، لا العكس، كما دلت عليه السنة المطهرة، فالكلب لا يتخذ إلا إذا كان: كلب صيد أو زرع أو حراسة، ولا شيء من ذلك يتحقق في كلاب: "أبناء الذوات".

ولا أدري ماذا يسمي المرء هذا؟!!، أهو: فراغ عاطفي، أم خلل عقلي، أم تفاهة وهيافة وسفه رأي.

وإذا امتلأ القلب بالحق طرد الباطل، وإذا امتلأ بالباطل طرد الحق، فالمحل الواحد لا يتسع للبدل والمبدل منه، ولو أضاءت القلوب بنور الرسالة، لتبددت ظلمة الباطل، ومن القلوب ما يجتمع فيها شعب من الحق، وأخرى من الباطل، فهي في صراع محتدم، فأيها غلب فله الكلمة، وهذا حال أغلب القلوب.

وفي حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، مرفوعا: "القلوب أربعة: قلب أجرد، فيه مثل السراج يُزْهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مُصَفَّح، فأما:

القلب الأجرد فقلب المؤمن، سراجه فيه نوره.

وأما القلب الأغلف فقلب الكافر.

وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص، عرف ثم أنكر.

وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومَثَل الإيمان فيه كمثل البقلة، يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يَمُدّها القيح والدم، فأي المدّتين غلبت على الأخرى غلبت عليه".

والحديث عند أحمد، رحمه الله، في مسنده، في مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ويقول شيخ الإسلام رحمه الله:

"ومن شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة، وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظيم محبته له ومنفعته به ويتم دينه، ويكمل إسلامه.

ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير.

ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها". رواه الإمام أحمد".

"اقتضاء الصراط المستقيم"، ص326، 327.

وأي بدعة أدهى من إقامة أعياد الميلاد للكلاب؟!!!.

وإذا أُمِر أولئك المترفون بالتزام شريعة الرب، جل وعلا، فحادوا عنها، قدر الله، عز وجل، عليهم بأمره الكوني، الفسق في الأرض، فأمر أمرهم، وصاروا هم السادة المطاعين، فحق القول عليهم، فأهلكت قراهم بمفسديها وصالحيها، ثم بعثوا على نياتهم.

اللهم اهدنا واهد ضلال المسلمين وحرر قلوبنا وقلوبهم من أسر الشبهات والشهوات، واشغلنا بالحق عن الباطل، ولا تجعل فينا حظا لسواك.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير