الحديث المرسَل هل يتقوى بمرسل آخر، ويُحتج بهما، أم يبقى على الضعف أبداً؟
ـ[احمد ابو انس]ــــــــ[20 - 11 - 10, 11:41 ص]ـ
الحديث المرسَل هل يتقوى بمرسل آخر، ويُحتج بهما، أم يبقى على الضعف أبداً؟
قد تكلم الإمام الشافعي – يرحمه الله – في هذا الأمر، وأسهب في ذلك، ويليق بي في هذا الموضع أن أذكر كلامه هنا، وأن أذكر كلام الأئمة حول كلام الإمام الشافعي، وأبين ما ترجح عندي في ذلك.
قال الإمام الشافعي – يرحمه الله -: .... فقال – أي: السائل – فهل تقوم بالحديث المنقطع حجة على من علمه؟ وهل يختلف المنقطع؟ أو هو وغيره سواء؟
قال الشافعي: فقلت له: المنقطع مختلف:
فمَنْ شَاهَدَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التابعين، فحدث حديثاً منقطعاً عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، اعتُبر عليه بأمور:
منها: أن يُنظر إلى ما أرْسل من الحديث: فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون، فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمثل معنى ما روى، كانت هذه دلالة على صحة من قَبِل عنه وحفظه.
وإن انفرد بإرسال حديث، لم يَشرَكه فيه من يُسنده؛ قُبِلَ ما ينفرد به من ذلك.
ويعتبر عليه بأن يُنظر: هل يوافقه مرسِلٌ غيرُه، ممن قُبل العلمُ عنه، من غير رجاله الذين قُبل عنهم؟ فإن وُجد ذلك، كانت دلالة يَقْوَى له مرسله، وهي أضعف من الأولى، وإن لم يوجد ذلك، نُظِر إلى بعض ما يُروى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قولاً له، فإن وجد يوافق ما رَوَى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ كانت في هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح، إن شاء الله.
وكذلك إن وُجد عوامٌّ من أهل العلم يُفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال الشافعي: ثم يُعتبر عليه: بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم (يسم) مجهولاً ولا مرغوباً عن الرواية عنه، فيُستدل بذلك على صحته فيما روى عنه.
قال: ويكون إذا شَرَك أحداً من الحفاظ في حديث؛ لم يخالفه، فإن خالفه (ووجد) حديثه أنقص: كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه.
قال: ومتى خالف ما وصفتُ أضرَّ بحديثه، حتى لا يَسَعَ أحداً منهم قبولُ مرسَلِه.
قال: وإذا وُجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفتُ، أحببنا أن نقبل مرسَلَه، ولا نستطيع أن نزعُم أن الحجة تثبت به ثبوتها بـ (المتصل).
قال: وذلك أن معنى المنقطع مُغيَّب، يحتمل أن يكون حُمل عمن يُرغب عن الرواية عنه إذا سُمِّي، وأنَّ بعض المنقطعات – وإن وافقه مرسل مثله – فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحداً، من حيث لو سُمِّي لم يقبل، وأنَّ قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قال برأيه لو وافقه، يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نُظِر فيها، ويمكن أن يكون إنّما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوافقه، ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء.
قال الشافعي – يرحمه الله -: فأمّا من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فلا أعلم منهم واحداً يُقبل مرسله، لأمور:
أحدها: أنهم أشد تجوزاً فيمن يروون عنه.
والآخر: أنَّهم توجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه.
والآخر: كثرة الإحالة، كان أمكن للوهم وضعف من يُقبل عنه .....
قال: ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة، استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة فيها.
قال – أي: السائل -: فلِمَ فرَّقت بين التابعين المتقدمين الذين شاهدوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبين من شاهد بعضهم دون بعض؟
فقلت: لِبُعْدِ إحالة من لم يشاهد أكثرهم.
قال: فلِمَ لا تَقْبَل المرسَل منهم، ومِنْ كل فقيه دونهم؟ قلت: لما وصفتُ ... ثم قال الشافعي: وابن شهاب عندنا إمام في الحديث والتخيير وثقة الرجال، إنما يُسميِّ بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم خيار التابعين، ولا نعلم محدثاً يُسمِّى أفضلَ ولا أشهر ممن يحدِّث عنه ابنُ شهاب.
قال – أي: السائل -: فأنى تُراه أُتي في قبوله عن سليمان بن أرقم؟.
قال الشافعي: رآه رجلاً من أهل المروءة والعقل، فقبِل عنه، وأحسن الظن به، فسكت عن اسمه، إمَّا لأنَّه أصغر منه، وإما لغير ذلك، وسأله معمر عن حديثه، فأسنده له.
¥