[السنة بين تحريف العالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين دكتور أيمن مهدي]
ـ[أبو البراء المصري الأثري]ــــــــ[12 - 12 - 10, 03:01 م]ـ
[السنة بين تحريف العالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين دكتور أيمن مهدي]
تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين
من الأخطار التي قد تتعرَّض لها السنة بأيدي أبناء الإسلام ما تنبأ النبي صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم بوجوده حينما قال: "يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" (1).
فقد أشار النبي صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم في هذا الحديث إلى أن من وظيفة علماء الأمة ومهمتهم: الدفاع عن السنة، وحمايتها من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وهذه معاول هدمٍ ثلاثة تعرَّضت لها السنة قديماً وحديثاً فشوهَّت صورتها، وعكَّرت بهائها وضيائها.
أوَّل هذه المعاول هو: الغلو والتشدُّد والتنطُّع الذي هلك به من كان قبلنا من أهل الكتاب، والذي يخالف روح الإسلام المبني علي التيسير والسماحة، قال تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (2).
فتتحول النصوص إلى آلات تعذيب، وأدوات إرهاق وتعب وإعنات، مع أن الإسلام دين رحمةٍ وسماحة ولكنها بعض النفوس المريضة التي تحب الشدائد وتكره الرخص، وتفتي بالأحوط، وتدع الأيسر، وتؤول النصوص لتوافق طبيعتها القاسية، فتشوِّه صورة السنة، وتخالف روح الإسلام ومضمونه.
فالغلو في العقيدة، أو العبادة، أو السلوك، يخالف روح الإسلام، ويصطدم مع مقاصده الرئيسة، ويتنافى مع الوسطية التي تميَّز بها هذا الدين، والسماحة التي وُصِفَتْ بها هذه الملة الحنيفية، واليُسر الذي اتَّسمت به التكاليف في هذه الشريعة.
والتيسير يتناسب مع روح الشريعة الإسلامية السمحة، وواقعيتها وصلاحيتها لكل زمانٍ ومكان، فهو مطلوبٌ شرعاً في ذاته، وليس مجرد استجابة لضغط الواقع، أو تناغماً مع روح العصر كما قد يتصوَّر بعض الناس، فالشريعة الإسلامية مبناها على اليسر لا على العسر، وتعليمها للناس مبنيٌّ على التيسير لا على التعسير، والدعوة إليها قائمةٌ على التبشير لا على التنفير.
أما ابتناء الشريعة على اليسر فهو واضحٌ غاية الوضوح من خلال آيات القرآن، فمن ذلك قوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (3) فلا يكلِّف الله ? الناس إلا بما يطيقون، ولا يكلِّفهم إلا بما يستطيعون، وإذا كان الأمر شاقاً وُجِد التيسير، ومن قواعد الأصوليين:"المشقة تجلب التيسير".
ومن يتتبَّع رخص الإسلام في إباحة التيمُّم عند فقد الماء، فإن عجز فالصلاة فاقد الطهورين، وقصر الصلاة وجمعها في السفر، والصلاة قاعداً أو نائماً عند عدم القدرة على القيام، وإباحة الفطر في رمضان للمسافر والمريض، والتخفيف عن الحاج ظاهرٌ واضح، فكان النبي صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم إذا سُئل عن شيء فُعل قبل شيء قال: "افعل ولا حرج" (4)، يعلم يقيناً أن قواعد الإسلام مبنيةٌ على التيسير والتخفيف، وليس على التعسير والتشديد.
قال تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (5).
فهذه القاعدة الكبرى في تكاليف عقيدة الإسلام كلها، فهي مُيَسَّرةٌ لا عُسر فيها، وهي توحي للقلب الذي يتذوَّقها بالسهولة واليسر في أخذ الحياة كلها، وتطبع نفس المسلم بطابعٍ خاص من السماحة التي لا تكلُّف فيها ولا تعقيد، سماحةٌ تؤدَّى معها كل التكاليف، وكل الفرائض، وكل أنشطة الحياة الجادة وكأنما هي مسيل الماء الجاري، ونمو الشجرة الصاعدة في طمأنينة وثقة ورضاء، مع الشعور الدائم برحمة الله تعالى، وإرادته اليسر لا العسر بعباده المؤمنين (6).
يقول تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) (7).
وينفي الحرج عن الدين نفياً عاماً بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (8)، وحسبنا هذه الآية العامة المطلقة يخاطب الله بها رسوله الكريم صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم فيقول له: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (9).
واقتباساً منها جاء قوله صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم: "يا أيها الناس إنما أنا رحمةٌ مهداة " (10).
¥