تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تطويع السنة للعقل شبهات وردود دكتور أيمن مهدي]

ـ[أبو البراء المصري الأثري]ــــــــ[12 - 12 - 10, 02:59 م]ـ

[تطويع السنة للعقل شبهات وردود دكتور أيمن مهدي]

تطويع السنة للعقل

نادت المعتزلة قديماً بعرض الأحاديث على العقل، وقبول ما يوافقه، ورد ما يرفضه، فجعلوا العقل البشري حاكماً على السنة، ثم جاء من تابعهم في هذا العصر، وشكَّك في الأحاديث التي رواها الثقات بزعم مخالفتها للعقل، وهؤلاء يطالبون باستبدال قواعد المحدِّثين في قبول الحديث ورده بعرضه على العقل الصريح، فما وافقه قُبل، وما خالفه رُفض.

وقد نادى كثيرٌ من المستشرقين بهذا الأمر، وتابعهم عليه بعض المسلمين كالأستاذ: أحمد أمين، والمدعو: أبورية وغيرهما.

وهذه الدعوة تبدو مقبولة لدى كثيرٍ من المثقَّفين، والذين لم يدرسوا علوم الشريعة بعمق، ولكنها عند التدقيق العلمي لا تعني شيئاً، ولا تنتج منهجاً جديداً في علوم الشريعة، وإنما تنتج الفوضى في قبول الأحاديث ورفضها.

وشبهتهم باطلة، وحجتهم داحضة، لأننا لو سلَّمنا لهم بذلك فأي عقل هذا الذي تُعرض عليه الأحاديث؟

والعقل الذي يريدون أن يتحاكموا إليه يختلفون في تحديده، فأي عقلٍ يريدون أن يُحَكِّمُوه ويعطوه من السلطة أكثر مما أعطاه علماؤنا في قواعدهم الدقيقة؟

فليس عندنا عقلٌ واحدٌ نقيس به الأمور، فالعقول متفاوتة في فهمها للأمور وإدراكها للأشياء، والمقاييس مختلفة، والمواهب متباينة، فما لا يعقله فلان ولا يفهمه قد يراه آخر معقولاً مفهوماً، كما أن ما تخفى على الناس في بعض العصور حكمته وسر تشريعه قد يتجلَّى لهم في عصرٍ آخر مقبول الحكمة واضح المعنى حين تتقدَّم العلوم وتنكشف أسرار الحياة.

ففتح الباب في نقد المتن بناءً على حُكم العقل الذي لا نعرف له ضابطاً، والسير في ذلك بخطى واسعة على حسب رأي الناقد وهواه الناشئ في الغالب عن قلَّة إطِّلاع، أو قصر نظر، أو غفلة عن حقائق أخرى.

إن فتح الباب على مصراعيه لمثل هؤلاء الناقدين سيؤدِّي حتماً إلى فوضى لا يعلم إلا الله منتهاها، وإلى أن تكون السنة الصحيحة غير مستقرَّة البنيان ولا ثابتة الدعائم، ففلانٌ ينفي هذا الحديث لأن عقله لا يستسيغه، وفلانٌ يثبته، وفلانٌ يتوقَّف فيه، وذلك أمرٌ طبيعي لأن العقول مختلفة في الحكم والرأي والثقافة والعمق؛ فكيف يجوز هذا؟!

والعقول تختلف فيما بينها، فما هو العقل الكامل الذي يريدون تحكيمه؟ أهو عقل العوام؟ أم عقل الفلاسفة؟ أم عقل الأطباء؟ أم عقل الساسة والحكَّام؟

والعقل قد يرفض شيئاً لغرابته ثم يُقِرُّ به بعد ذلك، وكم من أحلامٍ وخيالات رفضها العقل قديماً فأصبحت الآن حقائق واقعة.

وليس في الإسلام ما يحكم العقل باستحالته، ولكن فيه ما يستغربه العقل خاصةً في أمور الغيب، فالواجب على العقل المخلوق أن يعرف قدره، ولا يتجاوز حدوده، ولا يتطاول على خالقه وربِّه، فإذا ثبت النص فقد صدق الله ?، وإن لم يستطع العقل فهم مدلوله فهذه هي العبودية حقاً.

ولابد من التفريق بين المستحيل والمُسْتَغْرَب، فإن ردَّ المستغرب وتكذيبه تهورٌ طائش ينشأ من: اغترار الإنسان بعقله، فإن كثيراً من الأمور التي كانت غامضة أصبحت اليوم واضحة، وما كان في الأمس حقيقة ربما أصبح اليوم خرافة ().

والعقل ليس معصوماً في أفكاره ومعارفه ولكن الوحي الثابت هو المعصوم، والواجب على المسلم هو التسليم له، والانقياد لأحكامه، وإن بدا غريباً في بعض الأشياء.

والمطالع لكتب أئمة الحديث يعلم يقيناً أن أئمة الحديث وفقهاء المسلمين لم يُعَطِّلوا عقولهم عند الحكم على الحديث، وإنما أوقفوها عند الحد الذي يجب أن تقف عنده تأدُّباً مع الله ?، فلا ترقى العقول لمناهضة الوحي، وإنما واجبها محاولة الفهم ثم التسليم والانقياد.

وقد وضع أئمة النقد من علماء الحديث علامات لمعرفة الحديث الموضوع منها: أن يكون متنه مخالفاً لبدائه العقول، أو للمقطوع به من الدين، أو التاريخ، أو الطب أو غير ذلك.

وبهذه الطريقة رفضوا أحاديث كثيرة وحكموا عليها بالوضع.

وما أحسن ما قال ابن الجوزي: ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم: أنه موضوع (1).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير