ويمتاز (القلم الأندلسي) بأنه ميال إلى الاقتباس من أشكال الألفباء اللاتينية في الأندلس التي كانت تكتب به في تلك الأيام، مع كثير من الاستدارات وتداخل الكلمات، وتغيير كبير في كيفية التنقيط، كوضع نقطة الفاء من تحت ونقطة القاف من فوق.
والمهم في الأمر أن الأندلسيين اختلفوا عن المشارقة في ترتيب ألفبائهم، وهذا ما دعاهم إلى ترتيب معاجمهم بأشكال مخالفة لما يفعله المشارقة. ويلاحظ أنهم نظموها بشكل متناسق، حيث رصفوا الحروف المتشابهة الرسم تلو بعضها بعضاً. والألفباء الأندلسية هي:
أ. ب. ت. ث. ج. ح. خ. د. ذ. ر. ز. ط. ظ. ك. ل. م. ن. ص. ض. ع. غ. ف. ق. س. ش. هـ. و. لا. ي.
يسوقنا هذا الحديث للإشارة إلى (الألفباء الفارسية). فقد سار الفرس في ترتيب ألفبائهم بعد دخول لغة القرآن إلى بلادهم على نهج المشارقة. ولكنهم حين أرادوا ترتيب أحرفهم الفارسية الأربعة التي انفردوا بها وهي: ب ج ز ك رتبوا كل حرف عقب مثيله، بحيث وضعوا الباء بثلاث نقاط بعد الباء العربية، وبعد الجيم العربية وضعوا الجيم الفارسية، ومثلهما الزاي والكاف الفارسيتان. غير أنهم وضعوا الواو بين الهاء والياء، لتكون الهاء فاصلاً بين ما آخره واو وما آخره ياء. وعلى هذا سار مؤلفو المعاجم العربية الذين أصلهم فارسي كالزمخشري في أساس البلاغة، والفيروز آبادي في القاموس المحيط، وكذلك فعل كل مؤلف فارسي في معجمه الفارسي.
وعلى المحقق أن يكون مطلعاً، ومضطلعاً، على: العروض، المعاجم، النحو، كتب التراجم، البلاغة.
نسخ المخطوطة:
وليس كل النسخ متساوية من الناحية العلمية، ولا من جهة القيمة الأثرية.
فهناك النسخة الرئيسة والتي هي النسخة الأم التي هي بخط المؤلف، ثم النسخة بإجازة، ثم النسخة المنقولة عن الأم بإجازة، ثم النسخة من غير إجازة.
وهناك فروع هي التابعة للنسخ السابقة زمنياً، أو التي فقدت الرابط.
كما أن النسخة المطبوعة مهمة إن وجدت، لأنها قد تتمم النسخة المعتمدة، ولا سيما إذا فُقد أصل المطبوع، أو أن المحقق الأول لم يعتمد على نسخ عثر عليها المحقق الجديد، ولأن فيها آراء المحقق الأول الذي عانى حتى كشف العديد من النقط الغامضة، ومن الواجب العلمي عندئذ أن يبين فضل السابق وتجديد اللاحق. وقد حصل مثل هذا كثيراً، كان المستشرقون غالباً أصحاب الفضل الأول، كالمستشرق الألماني "رودولف جاير" الذي أخذ عنه الدكتور محمد حسين طبعة ديوان الأعشى، والمستشرق البريطاني "ليال" الذي أخذ عنه النجار طبعة ديوان عبيد.
وإذا كانت النسخة غير معروفة التاريخ، يستطيع المحقق التوصل إلى معرفة القرن الذي نسخت فيه بنوعية الخط، أو باسم الناسخ، أو بجنس النقس (الحبر) والورق. ويجدر الانتباه هنا إلى أن النسخة الواحدة تكون مكتوبة أحياناً في زمانين متفاوتين، بحيث يضيع جزؤها، فيكمله ناسخ آخر في قرن آخر .. ويعرف هذا أيضاً من نوع الخط والنقس.
ويجب أن نعرف هل الناسخ من النوع المخلص الدقيق، أو أنه جاهل ماسخ، حسبه أن يملأ الصفحات ليكسب أجر عمله. وهل الراوية أديب مخلص نقل بأمانة، أو أنه أضاف من عنده بعض الإضافات من غير إشارة؟
وقد يضيف المؤلف إضافات يلحقها بكتابه، فإذا ما ذكر أنها ذيل أبقاها المحقق على حالها. أما إذا أشار إلى أنه كان يريد إلحاق هذه الزيادات في مكانها، ولم تسعفه الظروف، كان على المحقق أن يلبي رغبة المؤلف، على أن يذكر ما فعله في مكانه. وهذا ما كان على محقق يتيمة الدهر أن يفعله، وهذا ما قمنا به فعلاً. فقد أضفنا "تتمة اليتيمة" في أماكنها التي أشار الثعالبي إليها.
ومن الملاحظات الجديدة على النسخ، أن نسخة المؤلف التي عثر عليها قد تكون مسودة، فعلى المحقق أن يبحث عن المبيَّضة. فقد يكتب المؤلف كتابه، ثم يعيد النظر فيه، ويضيف عليه ما يراه مناسباً ثم يبيض، ويترك نسختين متداولتين.
كما أن هناك نسخة منسوخة ونسخة ناسخة؛ فقد يؤلف أحدهم كتاباً ثم يعود إلى كتابته من جديد في بلد آخر وظروف أخرى. وعلى هذا فقد يكون هناك اكثر من مبيضة، وحتماً بعضها يفضل الأخرى بالدقة.
¥