تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تحقيق التراث في العصر الحديث الإيجابيات .. والسلبيات ... منقول ...

ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[29 - 10 - 04, 09:56 م]ـ

http://www.altareekh.com/vb/showthread.php?s=&threadid=35866

تحقيق التراث في العصر الحديث

الإيجابيات .. والسلبيات

د. عثمان جمعة ضميرية

الحمد لله الذي اصطفى من عباده خلقاً أورثهم الكتاب، وأمرهم بأن يقولوا الحقّ، وأن يقوموا بالحق والعدل والقسط. وبعد:

فقد كانت الكلمة الأولى التي أُنزلت وحياً على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في آخر اتصال للسماء بالأرض هي كلمة (اقًرأً): ? اقْراً بِاسْمِ رَبِّكَ الَذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَاً وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ? [العلق: 1 - 4]. ثم تتابعت الآيات القرآنية الكريمة نزولاً، ترسم للمسلمين معالم المنهج الذي يسيرون عليه:عقيدةً، وعبادةً، وسلوكاً، وأصولَ نظرٍ واستدلالٍ؛ فكان لذلك كله أثره البالغ في تهيئة المناخ لنشوء المنهج العلمي الذي يقوم على التثبّت والدقّة في الرواية والنقل، بالنسبة للمرويّات والأخبار، وعلى الحجة والدليل الواضح الصحيح في العقليّات، وعلى التجربة والبرهان والنظرفي الحسيّات.

ثم أقام المسلمون انطلاقاً من هذا عِلْماً قائماً برأسه لنقد المرويات: سنداً ومتناً، وهو عِلْمٌ انفردت به هذه الأمة من بين سائر الأمم، باعتراف المنصفين وغير المنصفين من غير المسلمين، بَلْهَ المسلمين أنفسهم من غير أهل هذا الفن والعلم، ويعود هذا إلى الأيام الأولى لرواية الحديث النبوي وأخبار السيرة والمغازي؛ فكثيراً ما نجد في الرواية تأكيداً للسماع والنظر من الراوي نفسه؛ حيث يقول مثلاً: (سَمِعَتْه أذناي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... ) أو (سَمْعَ أذنيّ ... )

فهو مُتثبّت غاية التثبت، فلا تظننّ أنه ينسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يَقُل، أو لا يتبادرنّ إلى ذهنك أنه وهم أو أخطأ في النقل أو السماع .. وهذا قمةٌ في تحرّي النص، والمجيءِ باللفظ؛ تحقيقاً لأمانة النقل، والوقوف على اللفظ الأصلي.

وبعد أن كانت الرواية الشفوية هي الوسيلة الغالبة السائدة في نقل العلم، في عصر الرسالة وصدر الدولة الأولى، فإن الحضارة الإسلامية كغيرها من الحضارات كانت تقوم على الكلمة المكتوبة؛ فقد بدأ التدوين في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم في عهد الصحابة والتابعين، واتّسع في عهد بني أمية، وتلاه التصنيف في عهد بني العباس، وهو عصر ازدهار الثقافة والعلم بكل فروعه، حتى وصفه بعضهم بأنه (عصر النهضة في الإسلام).

وقد أَلمْعَ الإمام الذهبيّ رحمه الله إلى الأصول الأولى في التدوين والتصنيف، بكلمة جامعة، عند حديثه عن أهم أحداث سنة (143هـ) في كتابه (تاريخ الإسلام)، قال فيها: (شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير؛ فصنّف ابن جُرَيْج التصانيف بمكة، ومالكٌ (الموطأ) بالمدينة، والأَوْزَاعيّ بالشام، وابن أبي عَرُوبة وحمّاد بن سَلَمة وغيرهما بالبصرة، ومَعْمَر بن راشد باليمن، وصنّف أبو حنيفة الفقه والرأي ... وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حِفْظهم، أو يَرْوُون العلم من صحف صحيحة غير مرتّبة، فَسَهُلَ ولله الحمد تناول العلم، وأخذ الحفظ يتناقص. ولله الأمر كلّه).

وعندما انتشر تدوين العلم وتبويبه، واستقلّت علومٌ عن غيرها، برزت عندئذ معالم منهج التثبت والدقة في طرق تحمل العلم وأدائه، في كل علم بحسب موضوعه ومنهجه؛ فكان مثلاً من أهم وسائل هذا التثبت: مقابلة الكتاب بأصلٍ صحيحٍ موثوقٍ به؛ فالمقابلة الدقيقة مُتعَيّنة للكتاب الذي يُرَام النفع به، وعلى هذا تطابقتْ كلمة العلماء. والأمثلة على ذلك كثيرة تعزّ على الحصر، تجدها في كتب مصطلح الحديث وآداب التعلم والرواية ...

وعندما يصحح الكتاب ويضبطه، وهو في محل شك عند مطالعته، أو تطرّق احتمال يضع عندئذ فوق ذلك كلمة (صح) بخط صغير ... إلخ كما أن العلماء وضعوا قواعد غاية في الأهمية والدقة لتصحيح النص؛ لأنهم كانوا يدركون صعوبة هذا التصحيح وأهميته.

وتلك العصور السابقة التي وصفْنَا حال الرواية والكتابة فيها بعامة كانت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير