تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد. وذلك صنفان:

أحدهما أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتابينة، كما قيل في اسم السيف: الصارم والمهند، وذلك مثل أسماء اللّه الحسنى و أسماء رسوله صلى الله عليه وسلم وأسماء القرآن، فإن أسماء اللّه كلها على مسمى واحد فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضاداً لدعائه باسم آخر بل الأمر كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.اهـ.

ثم تكلم عن الأسماء والصفات للّه تعالى وعن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء القرآن ثم قال:

"إذا عرف هذا فالسلف كثيراً ما يعبرون عن المسمى بعبارة تدل على عينه، وإن كان فيها من الصفة ما ليس في الاسم الآخر، كمن يقول: أحمد هو الحاشر والماحي والعاقب. والقدوس هو الغفور والرحيم، أي المسمى واحد لا أن هذه الصفة هي هذه. ومعلوم أن هذا ليس اختلاف تضاد كما يظنه بعض الناس، مثال ذلك تفسيرهم للصراط المستقيم فقال بعضهم: هو القرآن- أي اتباعه- لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث علي الذي رواه الترمذي ورواه أبو نعيم من طرق متعددة "هو حبل اللّه المتين والذكر الحكيم وهو الصراط المسقيم"، وقال بعضهم هو الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث النواس بن سمعان الذي رواه الترمذي وغيره "ضرب اللّه مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران، وفي السورين أبواب مفتحة، على الأبواب ستور مرخاة، ودل يدعو من فوق الصراط، وداع يدعو على رأس الصراط. قال: فالصراط المستقيم هو الإسلام، والسوران حدود اللّه، والأبواب المفتحة محارم اللّه، والداعي على رأس الصراط كتاب اللّه، والداعي فوق الصراط واعظ اللّه في قلب كل مؤمن".

فهذان القولان متفقان لأن دين الإسلام هو إتباع القرآن ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر، كما أن لفظ ((صراط)) يشعر بوصف ثالث. وكذلك قول من قال: هو السنة والجماعة. وقول من قال: هو طريق العبودية. وقول من قال: هو طاعة اللّه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد يجيء كثيراً من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا، لاسيما إن كان المذكور شخصاً، كأسباب النزول المذكورة في التفسير، كقولهم: إن آية الظهار نزلت في امرأة أوس بن الصامت، وان آية اللعان نزلت في عويمر العجلاني أو هلال بن أمية وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبدا لله وإن قوله {وأنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أنْزَل اللّه} نزلت في بني قريظة والنضير، وإن قوله: {ومَنْ يُوَلِّهِمْ يَومَئِذٍ دبُرَهُ} نزلت في بدر، وإن قوله: {شَهَادةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أحَدكُمُ المَوْتُ} نزلت في قضية تميم الداري وعدي بن بداء، وقول أبي أيوب إن قوله {ولاَ تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} و نزلت فينا معشر الأنصار. الحديث. ونظائر هذا كثير مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة، أو في قوم من أهل الكتاب اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين. فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية مختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على ا لإطلاق.

والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه أم لا؟ فلم يقل أحد من علماء المسلمين إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فيعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ، والآية التي لها سبب معين إن كانت أمراً ونهياً فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته وإن كانت خبراً بمدح أو ذم فهي متناولة لذلك الشخص ولمن بمنزلته أيضاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير