تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما حديث عروة الذي يرويه عن عائشة فإن علينا أن نشير أولا إلى بعض الحقائق المتعلقة بالآيات التي وردت فيه، وأول هذه الحقائق هي أن الكلمات موضع السؤال قد جاءت صحيحة في رسمها جارية على قواعد الهجاء، فكلمة "هذان" في الآية الأولى الواردة في الخبر جاءت على وفق القاعدة التي جرى عليها الرسم العثماني من حذف ألف (ها) التي للتنبيه ووصلها بما يليها من اسم الإشارة أو نحوه، وحذف الألف من (ذان) على نحو حذفها من كل مثنى، أما كلمة {والمُقِيمِينَ} في الآية الثانية فهي من حيث رسمها، على ما هي عليه، صحيحا، مثل ما رسم في المصحف {المُؤْمنينَ وَالمُسْلمِينَ ... } وكذلك بالنسبة لكلمة "الصبئون" في الآية الثالثة التي رسمت على مثال "الخطِئُونَ".

فهذه الكلمات جاءت من حيث الرسم صحيحة، جارية على المشهور من قواعد الرسم العثماني لكنها من حيث التوافق الإعرابي وما يقتضيه موقعها في الظاهر جاءت على نحو يستوقف النظر ويدفع إلى التأمل، فالكلمة الأولى قد ينظر إليها على أنها اسم (أن) المشددة وهي مثنى لكنها جاءت من غير الياء التي هي علامة النصب، والكلمتان الأخريان {المُقِيمِينَ} و {الصَّلبئُونَ} كلاهما جاءت مخالفة إعرابياً لما عطفت عليه في الظاهر.

وبالرجوع إلى القراءات الصحيحة المروية في هذه الكلمات يمكن أن يتاح لنا فهم سر رسمها على ذلك النحو، فالآية الأولى {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه 30/ 63] قرأها ابن كثير – وحده - بتخفيف (إن) و (هذان) بالألف مع تشديد النوَن، وقرأ حفص كذلك إلا أنه خفف نون (هذان)، ووافقه ابن محيصن، وقرأ الباقون ماعدا أبا عمرو بتشديد (إن) و (هذان) بالألف وتخفيف النون، وقرأ أبو عمرو (إنّ) بتشديد النون و (هذين) بالياء مع تخفيف النون، ونجد أن أوضح القراءات في هذه الاَية معنى ولفظاً وخطاً هي قراعة ابن كثير وحفص، وذلك أن (إن) المخففة من الثقيلة أهملت و (هذان) مبتدأ و (الساحران) الخبر، واللام للفرق بين النافية والمخففة، وقراءة أبي عمرو واضحة من حيث الإعراب والمعنى، رغم مخالفتها الرسم، وقد تكلم أهل العربية في توجيه القراءة الأخرى. وقد أشرنا من قبل أن رسم المصحف كتب على قراءة واحدة، فليس من الضروري موافقة كافة القراءات الصحيحة له إذا وافق بعضها، وهو ما نجده في هذه الحالة.

أما الآيتان الأخريان {والمُقِيمِينَ الصَّلوةَ وَالمؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [النساء4/ 162] {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادوا والصبئُونَ} [المائدة ه/69] فقد اتفق الجمهور على قراءة {والمُقِيمِينَ} بالياء منصوباً على نحو مَا هو مرسوم إلا رواية يونس وهارون عن أبي عمرو لها بالواو، وقراءة عاصم الجحدري لها بالواو كذلك، مع محافظته على رسمها بالياء. واتفقوا كذلك على قراءة {الصبِئُونَ} بالواو على نحو ما هو مرسوم إلا ابن محيصن فقد قرأها بالياء، والجحدري كذلك ومادامت قراءة العامة قد جاءت موافقة للرسم على هذا النحو وقد تواترت عن القراء فلا مجال – إذن - للكلام هنا عن الخطأ في الرسم أو القراءة، خاصة أن النحاة قد تكلموا على ما في الآيتين من تخالف إعرابي، ووجهوا ذلك بوجوه كثيرة ...

وعلى ذلك فإن حديث عروة يمكن أن يحمل على ما ذهب إليه ابن أشتة ورواه الداني من أن معنى الخطأ هو أنهم أخطأوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك لا يجوز لأن ما لا يجوز مردود بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه، وعظم قدر موقعه، ويقول الداني بعد أن ناقش ما ورد في دلالة الخبر: على أن أم المؤمنين - رضي الله عنها - مع عظيم محلها وجليل قدرها واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحّنت الصحابة وخطأت الكتبة، وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز.

ونخلص من ذلك كله إلى نفي دلالة الخبرين على وقوع الخطأ في الرسم ا لعثماني اهـ[121].

وقد استقر الأمر على الرسم العثماني، واعتمدت الأمة عليه بل أجمعت على ذلك فقد نقل الإمام أبو عمرو الداني عن أشهب أنه قال: سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى. ثم علق الداني بقوله: ولا مخالف له من علماء الأمة [122].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير