أ- إن الإمام مسلماً احتج برواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في صحيحه، في حديث الدعاء بعد التشهد (588)، وفيها التصريح بسماعه من أبي هريرة، قال مَنْ روى عنه: (أنه سمع أبا هريرة ... )، ومعنى ذلك - على أقل تقدير -: ثبوت المعاصرة - وهو شرط مسلم، ورأي الجمهور -، وعدم الطعن في روايته عن الصحابة بالإرسال (أو الانقطاع). [قال الحسيني في (الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال، رقم 1392): «محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن القراءة مع قراءة الإمام سوى الفاتحة، لعلَّ الرَّجُلَ أبو هريرة» ا. ه، فإن كان كذلك فهو أثبت].
ب- أن ابن حجر - نفسه - قال في الإصابة (6/ 269): (قلت: ومحمد بن أبي عائشة تابعي معروف روى عن أبي هريرة وجابر وغيرهما من الصحابة).
ج- أن ابن حجر جعل محمد بن أبي عائشة من الطبقة التي تلي الطبقة الوسطى من التابعين، التي جُلُّ روايتها عن كبار التابعين. وهذا صحيح، وابن حجر - رحمه الله - لم يجعل (كُلَّ) روايتها، بل جعل
(جُلَّ) روايتها عن كبار التابعين.
د- أن ابن حجر - نفسه - هو الذي حسَّن إسناد الحديث (التلخيص الحبير: 1/ 247)، وهو يعرف - بالتأكيد - أن من شروط الإسناد الحسن: اتصاله.
ثم إنَّ ابن حجر - رحمه الله - إنما حسَّنه فقط دون أن يصححه، لأنه قال عن ابن أبي عائشة في التقريب: «حجازي ليس به بأس»، ولكنَّهُ ثقَةٌ، وَثَّقَهُ ابن معين - رحمه الله -، والذي قَلَّلَ من ذلك قولُ أبي حاتم - رحمه الله -: «ليس به بأس»، ومعروف أن أبا حاتم متشدد في التعديل، وقد أطلق على كثير من الحفاظ الأئمة لفظ: «صدوق» أو «لا بأس به»، فقد قال عن الإمام مسلم: «صدوق» ... فالحديث بذلك صحيح (ذكر ذلك الشيخ أبو إسحاق التطواني في هذا الرابط ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=2688&page=2&pp=40&highlight=%E3%C7%C7%E1%DE%E6%E1+%C7%E1%D4%C7%DD%ED ) ) .
(4) واستدل الشيخ - حفظه الله - بأدلة الموجبين للقراءة، وقد أجيب عنها، فمن ذلك:
أ- الآية: ? وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ?، وهذه مخصوصةٌ بأحاديث إيجاب القراءة، وقد سبق بيان وجه تخصيصها للآية.
ب- حديث أبي موسى وأبي هريرة، وفيه: «وإذا قرأ فأنصتوا»، وهذا - إن صحَّت هذه الزيادة، وإلا فإنها معلولة - مخصوصة بأحاديث إيجاب القراءة، وقد سبق بيان وجه ذلك.
ج- حديث أبي هريرة، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاةً جَهر فيها بالقراءة، ثم أَقْبَلَ على الناس بعدَما سَلَّم، فقال: «هل قرأ منكم أحدٌ معي آنفاً» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «إني أقولُ ما لي أُنازَعُ القرآن»، فانتهى الناسُ عن القراءة مع رسول الله فيما يَجْهَرُ به من القراءة، حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
لكن الاستدلال به - إن صحَّ، فقد ضُعِّف - مردودٌ من وجوه:
الأول: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما لي أُنازَعُ القرآن» يدل على أن المأمومين جهروا بالقراءة خلفه - صلى الله عليه وسلم -، وإلا لما اعتبرهم نازعوه القراءة، فهو نهي عن الجهر بالقراءة خلف الإمام، ولا يدل على النهي عن قراءتها في النفس سِرَّاً.
قال ابن حبان [في صحيحه، في التعليق على حديث أبي هريرة]: (فانتهى الناسُ عن القراءة: أراد به رَفْعَ الصوتِ خلفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - اتِّباعاً منهم لزجرِهِ عن رفعِ الصوتِ والإمامُ يَجْهَرُ بالقراءة في قوله: «ما لي أُنازَعُ القرآنَ»).
قال الشوكاني (النيل: 1/ 787): (وهو خارج عن محل النزاع، لأن الكلام في قراءة المُؤتَمِّ خلف الإمام سِرَّاً، والمنازعة - يعني: بهذا الحديث - إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع إسراره).
كل هذا على فرض صحة الاعتراض بقوله: (فانتهى الناس ... ).
الثاني: أن قوله: (فانتهى الناس عن القراءة ... ) مدرج من كلام الزهري وليس من كلام أبي هريرة - كما ذكر الأئمة، وعلى رأسهم: محمد بن يحيى الذهلي والبخاري ... -.
¥