تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العلوم التي ينبغي التبحُّر فيها؟

ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[14 - 02 - 06, 03:46 م]ـ

لا شك أن الناس قدرات ومواهب، فينبغي للإنسان أن ينظر بعين البصيرة فيما يمكن أن يحسنه ويُبدع فيه (وقيمة كل امرئٍ ما يحسنه)، فيكرّس فيه جهده ويستنفذ فيه وسعه، ويكون مع ذلك ذا همة عالية، فإن» من شغل نفسه بأدنى العلوم وترك أعلاها ــ وهو قادر عليه ــ، كان كزارع الذُّرة في الأرض التي يجود فيها البُرُّ، وكغارس الشَّعْراء (1) حيث يزكو النخل والزيتون «.

أما» من مال بطبعه إلى علم ما ــ وإن كان أدنى من غيره ــ فلا يشغلها بسواه، فيكون كغارس النارجيل (2) بالأندلس، وكغارس الزيتون بالهند، وكل ذلك لا يُنجب «

، كما قال ابن حزم (3) ــ رحمه الله ــ.

لكن السؤال، ما هي أجل العلوم؟

أجل العلوم ما قربك من خالقك، وما أعانك على الوصول إلى رضاه، وهذه هي علوم الكتاب والسنة.

قال الحافظ ابن رجب ــ رحمه الله ــ (4):» فالذي يتعيّن على المسلم الاعتناء به والاهتمام: أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العِلْمية. وإن كان من الأمور العَمَلية، بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر، واجتناب ما يُنهى عنه، وتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك، لا إلى غيره.

وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة «اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر (5) ــ رحمه الله ــ في بيان المراد من العلم المطلوب التزود منه ــ:» [هو] الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه «اهـ.

وعلى هذا النحو تدور عبارات الأئمة في بيان العلم النافع الذي ينبغي التبحُّر فيه، والحرص عليه، والاستكثار منه (6)، فلا نطيل بنقل نصوصهم.

وينبغي أن ننبه هنا إلى أن اكتمال الملكة في العلوم السابقة الذكر (علوم المقاصد) مرهون باكتمال الفهم والاستيعاب لعدد من العلوم الآلية المساعدة؛ كعلوم العربية، وأصول الفقه، والمصطلح. . .، فبعض تلك العلوم يجب تعلمه وجوب الوسائل؛ إذ يتوقف فهم كلام الله ورسوله على فهم بعض مسائلها، فهي من قبيل (ما لا يتم الواجب إلا به) ن فهذا ما بجب، وأما لا يدب؛ فما لا تأثير له، وما لا ينبني عليه عمل، ولا ريب أنه بمقدار أخذ العالم من العلوم المساعدة، وتمكنه منها ــ خاصة فيما يتوقف فهم الخطاب عليه، وليس من الأبحاث المقررة أو التي هي فَضْلَة ــ، يكون أقدر على الاجتهاد والاستنباط (7)،فإن العلوم آخذ بعضها برقاب بعض (8)


تأليف/ علي بن محمد العمران.

الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ضرب من الحمضيات، ليس له ورق تحرص عليه الإبل.
(2) هو: جوز الهند.
(3) في رسالة مداواة النفوس: (1/ 344) ضمن رسائل ابن حزم وما بين الأقواس منه.
(4) في جامع العلوم والحكم: (1/ 244 ومابعدها)
(5) فتح الباري: (1/ 170 – 171).
(6) انظر: إعلام الموقعين: (1/ 5)، وفضل علم السلف على علم الخلف: (ص/67 – 69، 64 – 65). ومسائل فيطلب العلم وأقسامه (ص/205) للذهبي ضمن ست رسائل والفوائد: (ص/111، 254).
(7) انظر مفتاح دار السعادة: (1/ 482 – 486) وهو مهم.
(8) ذكر الشاطبي في الموافقات: (5/ 53) عن الجرمي أنه قال:» أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه «اهـ. وانظر شرح الشاطبي لهذا القول.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير