تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تفاقمت الأمور في الدولة العثمانية، وتلاحقت الأحداث العنيفة المنبئة بقرب زوال الدولة فقرر الشيخ الرحيل عن الوطن مع أسرته عام 1923 قبل استيلاء الكماليين عليها، وذهب إلى مصر، ثم غادرها إلى الحجاز ليكون في ضيافة الملك حسين، ولكنه لم يلبث أن رجع إلى مصر، حيث احتدم النقاش بينه وبين المتعصبين لمصطفى كمال، فغادرها إلى لبنان، وطبع فيه كتابه (النكير على منكري النعمة) ثم سافر إلى رومانيا، ثم اليونان، وأصدر فيها مجلته (يارين) ومعناها (الغد) مدة خمس سنوات، ثم غادر اليونان إلى مصر، بعد أن طالب الكماليون اليونان بتسليمه، واستقر فيها، وكانت الصحافة المصرية قد تحدثت زمناً طويلاً عن التطور الذي طرأ على الخلافة بتجريدها من السلطة، واحتدمت المعركة حين قدم إليها، وأراد أن ينبه المصريين إلى ما يضمره الكماليون للإسلام وشريعته وأهله، وما ينطوون عليه من خبث النية وفساد الدين، وأن الخلافة التي ابتدعوها مجردة عن السلطة ليست من الإسلام في شيء، وأن فصل الدين عن الدولة ليس إلا وسيلة للتخلص من سلطانه، والتفلت من شريعته وقيوده، وتجاوز حدوده، وظن الناس وقتذاك، أن الشيخ مدفوع في مهاجمته للكماليين ببغضه لهم، بعد أن ألجأوه وألجأوا الخليفة إلى الفرار، فهاجموه هجوماً عنيفاً تجاوز في كثير من الأحيان حدود اللياقة والأدب.

ونشر مصطفى صبري مقالاً يدافع فيه عن نفسه، بعد أن نشرت الصحف نبأ وصوله وسوء استقبال الناس له في عبارات مملوءة بالغمز واللمز.

وكانت الصحف على اختلاف ألوانها ونزعاتها وقتذاك، تكيل للكماليين الثناء بلا حدود، ولذلك بدأ الشيخ مقاله مظهراً العجب من أمر الناس الذين أصبح قائل الحق بينهم لا يقوله إلا همساً، بينما يجهر الفجرة بمعصيتهم، وينادون بالفاسد المستحيل، فيجدون آذاناً صاغية، واستمر في صراعه مع الصحافة إلى أن توفي في القاهرة في 7/ 7/1373هـ ودفن فيها، وكان آخر شيوخ الإسلام وفاة.

مصطفى صبري مفكراً:

أيقن الشيخ مصطفى صبري أن أخطر ما تتعرض له الأمة من أخطار، وهي كثيرة جداً، خطر الغزو الثقافي الذي تبدى في الهزيمة النفسية للمثقفين المسلمين عامة والعرب خاصة، أمام الثقافة الغربية التي ملكت عليهم أقطار عقولهم، وأحلوها من قلوبهم ونفوسهم محلاً ما كان ينبغي لهم أن يحلوها فيه.

ظهر له هذا في المقالات التي تنشر في الصحف المصرية، وما تطرحه المطابع من دوريات وكتب، فتصدى لها بالنقد، وألف العديد من الكتب التي ترد عليها وبذلك صار لكتبه – إلى جانب قيمتها الفكرية والإسلامية – قيمة تاريخية، إذ أصبحت سجلاً صادقاً للحياة الفكرية المعاصرة، وزاد من قيمتها من هذه الناحية، أن المؤلف قد جرى في كل كتبه، على نقل النصوص التي يعارضها كاملة، قبل أن يتولى الرد عليها.

كانت المهمة الأولى للشيخ، مقاومة الدعوة إلى الإلحاد، ودعوة المسلمين إلى التمسك بدينهم، وشريعتهم، والإيمان بالكتاب كله، دون تفريق بين دقيق وجليل، ورفض كل دعوة إلى التأويل وإلى تطوير الإسلام، تحت ستار ملاءمة ظروف الحال، ومسايرة ركب الحضارة، والتطور مع الزمن، ظهر هذا في مؤلفاته.

ففي كتابه (النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة)، بحث مسألة الخلافة من الناحية السياسية، وهاجم الكماليين، ونفر العالم الإسلامي عامة ومصر خاصة منهم، وحذر من شرورهم، ونبه المسلمين إلى سوء نياتهم في التفريق بين الخلافة والسلطنة، وبين دوافع هذا التفريق، وأوضح الآثار المترتبة عليها.

وتحدث عن فساد دين الكماليين، وعن تعصبهم للجنس التركي، ومحاربتهم للعصبية الإسلامية، واستخفافهم بالقرآن، وبتعاليم الإسلام، وأنها غير صالحة للقرن العشرين، وقدم نماذج من كتابات كتابهم الداعين إلى التخلص من سلطان الدين، وإبعاده عن سياسة الدولة، اقتداء بالأوربيين، وذكر كلمة لأحد غلاة الكماليين من الترك في أحد كتبه: (إنا عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين، حتى الالتهابات التي في رئاتهم، والنجاسات التي في أمعائهم)، وقدم المؤلف أمثلة بالقوانين التي خالفوا فيها الشرع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير