تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأمَّا هداية العصمة والولاية بأن يقذف الله في قلبِ العبد نورًا وهو اليقين حتَّى يهتك حُجب الشهوات التي تراكمت في صدره على قلبه فيمتلئ قلبه نورًا ويشرق صدره، فتصير الآخرةُ له كالمعاينة، كما قال حارثةُ لرسولِ الله r: كأنِّي أنظر إلى عرش ربِّي بارزًا وإلى أهلِ الجنَّة كيف يتزاورون وإلى أهل النَّار كيف يتعاتبون فيها فعزفت نفسي عن الدنيا. فقال رسول الله r: (( عرفتً فالزم، عبدٌ نور الله الإيمان في قلبه)).

فهذا نورٌ على نورٍ ذهبت ظلمات الشهوات من الصدر وهي التي كانت تحجبه عن الله وعن وعده ووعيده وتخلى في صدره شأن الدنيا، فعامة هذه الأمة من السلف برزوا وصاروا أئمة باليقين النافد قد تعدوا الأسباب إلى وليها فلم يبق مع الأسباب ولا بقيت لهم علاقة وهو قوله:] وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [[العنكبوت:69].

فالهدى على ثلاث منازل: هدى على سنة الرسل وهو البيان يدعوهم ويبين لهم/30أ/ فتلك هداية الظاهر وهو قوله:] وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [[فصلت: 17] فإنما هداهم بالرسول. وهدى على القلب يجعل فيه نورًا فيعرفه ربًا واحدًا وهو قوله:] أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس [[الأنعام: 122] فتلك هداية الباطن وهو الإيمان. وهدى على القلب هدى الولاية وهو أن يقذف بالنور في قلبه بعد هذا ويستقر فيه وهو اليقين. وإنما سمى يقينًا لأنه استقر فيمتلئ قلبه نورًا ويشرق صدره به ويتصور له الدنيا والآخرة وشأن الملكوت في صدره ومتصور له أمور الإسلام حتى تذل النفس ونتقاد ويلقى بيديه سلمًا من الخشية والهيبة والسلطان الذي حل بقلبه وفي صدره وهو قوله:] أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [[الزمر: 22] فشرح الصدر إنما يكون من النور الذي يستقر فيقال له يقين، وأما نور التوحيد في القلب والصدر يتراكم دخان الشهوات مظلم كالليل وكالغيم وكالغبرة وكالدخان وكالقتار، وهدى رابع على القلب هدى النبوة وهو نور وجهه الكريم يوصل قلوبهم إلى وحدانيته ويشرق صدورهم بنوره ويجعلهم في قبضته ويرعاهم بعينه ويؤيدهم بروح قدسه، قال الله تبارك اسمه في تنزيله:] قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى [[البقرة: 120] () أي: أن ذلك الهدى الذي على ألسنة الرسل غير نافع ولا مغيث فإنما الهدى (هداي) () الذي أهدى على القلوب وإن كان ذاك أيضًا يسمى هدى فهذا أحق الهدى وهو كما روي عن رسول الله r: (( ليس الغني كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس)) فقال:] إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى [[البقرة: 120] وهدى الرسل حجة الله على خلقه بأنه بين لهم على ألسنتهم ضلالة سبيلهم هو أعطاهم (إخلاصًا) () ومعرفة بالأمور (ونصرًا) () لا يغني شيئًا وأن هدى الله هو الهدى، ثم ذكر هذه الأمة فقال في مبتداه:] وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [[آل عمران:72] وكانت هذه حيلة من اليهود كي يشبهوا علي المسلمين فيستزلوهم فأمروا طائفة منهم أن يأتوا رسول الله r فيؤمنوا به ثم يرجعوا إليه من آخر النهار مرتدين (مدبرين) () يخاصموه ويحاجوه حتى يشككوا/30ب/ أصحابه فقال الله تبارك اسمه:] قل يا محمد إن الهدى هدى الله [[] أي: إن الهدى الذي آتيتكم يا أمة محمد هدى الله.

وقوله:] إن الهدى [معرفة وليست نكرة كأنه يشير إلى شيء مخصوص يعني الهدى الذي أتى هذه الأمة هو هدى الله، أي: هو الذي تولاكم بالهداية، ثم قال:] أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [[آل عمران: 73] أي: لن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أي: من الهدى وهو اليقين وهو قول رسول الله r: (( ما أعطيتْ أمةٌ من اليقين ما أعطيت هذه الأمة)) ثم قال:] أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ [[آل عمران: 73] وهي الحاجة التي ذكر رسول الله r في الحديث يوم القيامة ثم قال:] إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم [[آل عمران: 73]] يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير