تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإما قوله: ((لا علم ولا حلم)) فكأنه يخبر أن الله تعالى قدر حلمًا وعلمًا لخلقه يتحالمون فيما بينهم ويعلمون بذلك الحلم يتخلقون بأخلاقهم كما قدر فيهم رحمة واحدة فقسمها بينهم فيها يتراحمون فيما بينهم وبها يتلاطفون. ومنه قول رسول الله r: (( إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم فكانت هذه الأمة آخر الأمم فرق ذلك ودق فلو تركهم على دقة تلك الأخلاق ورقة تلك الأحلام وقلة العلم لم ينالوا من الخير إلا يسيرًا)) وهو قول عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: ولم يزل الناس ينقصون في الخُلِّق والخلق والرزق والأجل من زمن نوح، وقد كان أحدهم يعمر ألف سنة.

وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن البرة فيهم كانت ككلوة البقر، والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر.

129 - حدثنا بذلك الفضل بن محمد قال: حدثنا هشام بن خالد الدمشقي، عن خالد القسري، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضى الله عنهما والرجل في خلقه ثمانون باعًا فصارت الأعمار ما بين الستين والسبعين. والبرة هكذا (والخلقة هكذا) () فانظر كم التفاوت بين العمرين وبين الخلقتين وبين الرزقين فكذلك (بر) () الخلقتين فكأنه على نحو ما ذكر لم يبق لنا من الحلم والعلم من الحظ إلا يسيرًا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وكنا في المثال كيأجوج ومأجوج إذا كان لا حلم ولا علم قصرنا بمنة الله علينا بهذه الصفة التي وصف ((إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا وإن أصابهم ما يكرهون صبروا واحتسبوا)) حتى برزوا على الأمم وصاروا صفوة /132/ والمتقدمين يوم الموقف والمبدؤ بهم، وحرام على الأمم دخول الجنة حتى تدخلها هذه الأمة فسأل عيسى ربه فقال: كيف يكون هذا الفضل لهم ولا حلم ولا علم؟ قال: أعطيهم من حلمي وعلمي وهو اليقين الذي أعطيت هذه الأمة، فقال رسول الله r: (( أعطيتْ أمتي ما لم يعط أحدٌ)) وهو قوله تعالى:] أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [[آل عمران: 73].

ثم قال:] إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [[آل عمران: 73] أي: بفضله عليم، أي: بمن له أهل يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وقوله تعالى:] وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [[الفتح: 26] فقوله: ((أعطيهم من حلمي وعلمي)) أي: أعطيهم النور في قلوبهم فتنشرح له صدورهم وتتسع فهو حلمه، والحلم: اتساع القلب والصدر بالأمور فكلما دخل الصدر فكرة أمرٍ ذاب فيه وانهضم كما ينهضم الطعام في المعدة فاتسع الصدر للأمور وصلحت الأمور فيه فطابت فكل طعام لا ملح فبه فلا طعم له وكل أمر لا حلم له في القلب فلا يتسع له ولا تجحد النفس طعم ذلك الأمر فتلفظه فإذا لفظته ضاق الصدر، فإذا ورد النور على القلب اتسع الصدر لذلك الأمر فمنه تخرج محاسن الأخلاق والأفعال وهو قوله:] أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [[الزمر: 22].

والحلم والملح يرجعان إلى معنى واحد وكل واحد منهما ثلاثة أحرف يستعمل كل واحد منهما في نوعه.

وأما قوله: ((ومن علمي)) فإنه لما ورد النور على قلوبهم وصاروا في العلم بالله والعلم بأسمائه الحسنى إلى ما سبي قلوبهم وصارت قلوبهم متعلقة بذكره فاحتشت صدورهم من الحكمة وفهموا عن الله وصاروا أبرارًا أتقياء فقهاء فلو تركهم على قسمتهم وحظهم في آخر الأمم من الذي كان قدر لجميع الخلق من الحلم والعلم والرحمة لكانت هذه الأمة أدنى الأمم وأخسها ولما من عليهم بعطائه الواسع الكريم برزوا على الأمم فلذلك قال رسول الله r: (( أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمنها على الله تعالى)) فإنما قووا على أن صاروا مهاجرين وأنصارًا هجروا أوطانهم وأموالهم/32ب/ وأولادهم ونصروا الله ورسوله r وصاروا من بعدهم تابعين بإحسان بمثل هذا العطاء الواسع واليقين النافذ؛ لأن النفس من شأنها لا تترك شيئًا قبضت عليه حتى تطمع في شيء خير منه وإلا فمخاليبها أحد من أن تقدر على الانتزاع منها فإذا كان في كفها درهم فأطمعت في دينار فرأت الدنيا رمت بالدرهم وأعرضت عنه، ثمَّ هي مُقبلة على الدينار، فإذا طمعت في جوهر فنظرت إلى الجوهر الذي يعدل ملئ بيت دينارًا لهت عن الدينار وصارت خذرة ذبلة وضعفت قوة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير