وعن مُطرف بن عبد الله، عن أبيه، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولِصَدْره أزِيزٌ كأزيز المِرْجَل».
وليس الاجتهاد في عبادة رب الأرباب ينافر الترخص بما أذن الله فيه وتكرم به فحذار الغلو المفرط والتفريط المقحط
واكثر الناس بين هذا وهذا ورأس الأفعى الجهل أو حب الدنيا
عن عائشة قالت: ترخَّص رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزَّه عنه ناسٌ من الناس، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فغضب حتى بان الغضبُ في وجهه، ثم قال: «مَا بَالُ أقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا أُرْخِصَ لِي فِيه، فَوَالله لاَنَا أَعْلَمُهُم بِالله وأشَدُّهُم خَشْيَةً».
حقة صلى الله عليه وسلم علينا
لقد جعل الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم سببا في فوز من فاز من امته بجنته ورضوانه غير الفضائل الأخرى التي تتحقق بالانتساب إلى أمته صلى الله عليه وسلم غير الاختصاص فضائل توجب له علينها أعظم الحق بعد حق الرب سبحانه
هذا وإن هذا الحق علينا مرده نعمة من الله مسداة إلينا فالقيام بحق النبي صلى الله عليه وسلم وما ينبغي له فيه من ألأجر والأثر ماليس يرجى بعده
وإن من أعظم حقوقه صلى الله عليه وسلم محبته فوق كل محبة عدا الله جل جلاله
قال صلى الله عليه وسلم ((والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))
ولقد ظهرت هذه المحبة جلية في سير أكرم هذه الأمة أعمقهم إيمانا أصحابه صلى الله عليه وعليها نشأ نشؤهم واشتد بها عودهم
عندما ترآى الجمعان في غزوة بدر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، فقد كان في يديه قِدْح يعدل به، وكان سَوَاد بن غَزِيَّة مُسْتَنْصِلا من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: (استو يا سواد)، فقال سواد: يا رسول الله، أوجعتنى فأقدنى، فكشف عن بطنه وقال: (استقد)، فاعتنقه سواد وقبل بطنه، فقال: (ما حملك على هذا يا سواد؟) قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.
قال عبد الرحمن بن عوف رضي اله عنه إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يمينى وعن يسارى فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرًا من صاحبه: يا عم، أرني أبا جهل، فقلت: يابن أخي، فما تصنع به؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك. قال: وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس. فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أيكما قتله؟) فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: (هل مسحتما سيفيكما؟) فقالا: لا. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فقال: (كلاكما قتله)
ولما فرغ رسول الله من دفن الشهداء في احد والثناء على الله والتضرع إليه، انصرف راجعاً إلى المدينة، فمر بامرأة من بني النجار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها بأحد، فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير إليها حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جَلَلٌ ـ تريد صغيرة.
وجاءت إليه أم سعد بن معاذ تعدو، وسعد آخذ بلجام فرسه، فقال: يا رسول الله، أمي، فقال: (مرحباً بها)، ووقف لها، فلما دنت عزاها بابنها عمرو بن معاذ. فقالت: أما إذ رأيتك سالماً فقد اشتويت المصيبة ـ أي استقللتها ـ ثم دعا لأهل من قتل بأحد، وقال: (يا أم سعد، أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعاً، وقد شفعوا في أهلهم جميعاً). قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: يا رسول الله، ادع لمن خلفوا منهم، فقال: (اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخَلفَ على من خُلِّفُوا). والأمثلة كثيرة أنى لأحد تقصيها ولكن الأثر يدل على المسير.
¥