[حياة الشيخ العربي التبسي وأصول دعوته الإصلاحية -مقدمة-]
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[08 - 11 - 06, 01:05 م]ـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد فإن علم التاريخ والسير من العلوم التي ينبغي لطالب العلم الشرعي الاعتناء بها، فإنه علم حوى محصلة تجارب الرجال، وخلاصة أعمال الفحول الأبطال، وقد كان بعض السلف يفضله على كثير من أنواع العلم، لأنه يوجد فيه من الفوائد ما لا يوجد في غيره، ومن ذلك أننا نجد فيه العقيدة مواقف عملية، والأخلاق مناقب مثالية، وإنه ليس لفقه الدعوة وتفسير الواقع مصدر أصفى وأصح من التاريخ وسير الأعلام، قال ابن الأثير وهو يعدد فائدة علم التاريخ: «ومنها ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها، فإنه لا يحدث أمر إلا قد تقدم هو أو نظيره، فيزداد بذلك عقلا، ويصبح لأن يقتدى به أهلا» فلا شك أن من شرط نجاح الدعوة إلى الله التسلح بالعلم الصحيح مع التزام المنهج النبوي، وإن مما يلزم أيضا للقيام بها على أكمل وجه قوة الشخصية وصلابة المواقف وفقه الدعوة، وإن من أهم طرق تحصيل هذه الخصال مجالسة هؤلاء الصالحين المصلحين أو مدارسة سِيَرهم.
وفيما يلي ترجمة موجزة لأحد رواد الدعوة السلفية في الجزائر في النصف الأول من هذا القرن، الشيخ العربي التبسي، الإمام صاحب الصبر والصمود، الفقيه الأصولي المتحرر من الجمود، ورمز من رموز التضحية، وأحد أعلام الحركة الإصلاحية، والمجاهد المهتم بأمر المسلمين، وأحد مؤسسي جمعية العلماء الجزائريين.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[08 - 11 - 06, 01:06 م]ـ
المطلب الأول: نشأة التبسي وطلبه للعلم
ولد العربي بن بلقاسم بن مبارك بن فرحات التبسي بقرية " ايسطح " النموشية (نسبة إلى قبيلة النمامشة الأمازيغية الكبيرة) جنوب غرب " تبسة "-وتبعد عنها بنحو مائة وسبعة عشرة كيلو متر- وذلك في سنة 1312 (1895م). في عائلة فلاحية فقيرة، وكان والده إلى جانب عمله في الزراعة يتولى تحفيظ القرآن لأبناء القرية في الكتاب.
ابتدأ العربي التبسي حفظ القرآن على يد والده في مسقط رأسه وقد توفي والده حوالي سنة1320 (1903م)، وفي سنة1324 (1907 م) رحل إلى زاوية ناجي الرحمانية بـ" الخنقة " جنوب شرق "خنشلة" فأتم بها حفظ القرآن خلال ثلاث سنوات، ثم رحل إلى زاوية مصطفى بن عزوز بـ" نفطة " جنوب غرب تونس في سنة 1327 (1910م)، وفيها أتقن رسم القرآن وتجويده، وأخذ مبادئ النحو والصرف والفقه والتوحيد، وفي سنة 1331 (1914م) التحق بجامع الزيتونة بتونس العاصمة حيث نال شهادة الأهلية واستعد لنيل شهادة التطويع ولم يتقدم إلى للامتحان، و رحل إلى القاهرة حوالي سنة 1339 (1920م) ومكث فيها يطلب العلم في حلقات جامع الأزهر ومكتباتها الغنية إلى سنة (1927م)، ثم رجع في السنة نفسها إلى تونس وحصل على شهادة التطويع (العالمية).
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[08 - 11 - 06, 01:07 م]ـ
المطلب الثاني: نشاطه الدعوي
أولا: نشاطه قبل تأسيس الجمعية
عاد الشيخ رحمه الله إلى الجزائر عام (1347) الموافق لـ (1927م) ليبدأ نشاطه الدعوي في مدينة " تبسة " التي أصبح ينسب إليها، وذلك في مسجد صغير يدعى " مسجد ابن سعيد " فبدأ الناس يلتفون حوله ويزدادون يوما بعد يوم حتى ضاق بهم هذا المسجد، فانتقل بعدها إلى الجامع الكبير الذي تشرف عليه الإدارة الحكومية، لكن سرعان ما جاءه التوفيق عن النشاط من الإدارة بإيعاز من الطرقيين، فعاد إلى المسجد العتيق " ابن سعيد " ليواصل نشاطه بالرغم من ضيقه بالناس الذين استجابوا لدعوة الإصلاح واقتنعوا بها. وكانت دروس الشيخ للعامة تلقى بعد صلاة العشاء فترى الناس يسرعون من معاملهم ومنازلهم لأداء الصلاة وسماع الدرس فيمتلئ بهم المسجد، وكانت طريقة الشيخ أن يختار نصا قرآنيا أو نبويا يناسب موضوعه، فيفسره تفسيرا بارعا يخلب ألباب السامعين، فيريهم حكمة الشرع ومعانيه السامية، ثم يتدرج إلى بيان الأمراض الاجتماعية فيشرحها ويبين أسبابها وعواقبها في الدنيا والآخرة، ومن ذلك نقضه لبدع الطرقيين الضالين وتنبيهه على إفسادها للعقيدة الإسلامية وسلبها لعقول الناس، فيظهر بطلانها ويكشف حقيقة أدعياء التصوف الدجالين.
ولما لاحظ الفرنسيون نشاط الشيخ والتفاف الناس حوله، أخذوا في مضايقته ومضايقة أنصاره حتى في ذلك المسجد الصغير الخارج عن إدارتها، ولما تفاقم الأمر نصحه الشيخ ابن باديس بالانتقال إلى مدينة "سيق" في الغرب الجزائري التي أبدى سكانها استعدادا لقبول إمام من أئمة الإصلاح، فانتقل إليها بداية سنة 1930م، ففرح أهلها بقدومه وأقبلوا على دروسه واستفادوا من علمه وخلقه وتوجيهاته فمكث فيهم إلى آخر سنة 1931م، وفي هذه المدة تمكن من بث الدعوة الإصلاحية السلفية ليس في مدينة سيق فحسب، ولكن في أنحاء كثيرة من الغرب الجزائري.
¥